لم تكن تُحب الصراخ.
منذ صغرها كانت تهرب إلى الزوايا كلما ارتفعت الأصوات، كانت تبكي بصمت حتى لا يراها أحد.
لكنها لم تكن تدري أن صراخ الطفولة… سيعود لزيارتها من جديد، في بيتٍ كانت تظنه الأمان.
"أرجوك، لا تصرخ… الأطفال خائفون."
همست بها، وهي تحاول احتواء المشهد… لا لأنها ضعيفة، بل لأنها كانت تُحب بصدق.
لكنّ الحبّ لا يُنقذ امرأة من رجل تحوّل إلى وحش.
قالها بصوتٍ خافتٍ بارد:
"سأدفنك بيدي… لن تخرجي من هذا البيت أبدًا."
تجمدت في مكانها.
هل هذا هو؟ الرجل الذي أحبته؟
الذي حمل طفلها ذات يوم، وربت على كتفها وهو يعدها أن يكون سندها إلى آخر العمر؟
لم تفهم كيف تحوّل.
صار يتصيّد كلماتها… يحاسب على التفاصيل،
يزمجر على نظراتها، ويصرخ على الهواء الذي تتنفسه.
لم يكن هناك حوار.
فقط صوت واحد يعلو، وآخر يُقمع… ثم يُلوم.
ليلة الانفجار، جلست على سريرها، لا تعرف إن كانت ما تزال تعيش أو تموت ببطء.
نزلت دموعها، تنهمر بصمت كعادتها.
وحين بلغ صراخه ذروته، قامت من مكانها، وصفعت وجهها بيدها… كأنها تُسكته… كأنها تريد أن تستفيق.
نامت بعد ذلك… لكن حلمها لم يكن أرحم من واقعها.
رأته هناك…
لكنه لم يكن نفسه.
كان حنونًا، يبتسم لها، يشد على يدها برفق، يقول كلامًا لم تسمعه منه قطّ.
ابتسمت… وسكنت.
لم ترد أن تستيقظ.
لكن في عمق الحلم، رأته مرة أخرى…
كظل، يسحبها بقوة، يخنق أنفاسها بكفه.
اختنقت… صرخت… لكنها لم تستطع الكلام.
ثم استيقظت، على صوته الحقيقي.
كان واقفًا أمامها.
يتنفس بقسوة… كأنه أنهى للتو عراكًا جديدًا.
فهمت حينها… أن الوحش لم يكن في الحلم،
بل هو هذا… الذي يسكن غرفتها، ويفترس ملامحها كل يوم.
لم تعد تبكي.
لكنها للمرة الأولى، فكرت في النجاة.
التعليقات