رجل على طاولة النسيان
كان يجلس في المقهى ذاته كل يوم، في الركن البعيد حيث لا يصل الضجيج إلا كصدى باهت. أمامه فنجان قهوة يبرد ببطء، تمامًا كما بردت مشاعره منذ زمن. كان هذا المقهى يومًا شاهدًا على ضحكاته، على أحاديثه الطويلة معها، على الوعود التي أُطلقت في الهواء كطيورٍ حرة، قبل أن تسقط واحدة تلو الأخرى، مُثقلة بخيبات الواقع.
لم يكن ينتظر أحدًا، ولم يكن يأمل في شيء. كان يأتي فقط ليجلس، كأنما يلتزم بموعدٍ مع ماضيه، مع تلك الذكرى التي ترفض أن تغادر. الناس يأتون ويذهبون، المقاعد تُشغل وتُفرغ، لكن طاولته بقيت شاهدة على رجلٍ تآكل من الداخل، يطوي أيامه كصفحاتٍ لا يريد قراءتها.
نظر إلى الكرسي المقابل، ظلّها لم يعد هناك، لكنه كان يراه، يسمع صوتها في تلاعب الريح بستائر المقهى، في رنين الملاعق على الأكواب، في ضحكات العشاق على الطاولات القريبة. لا شيء منها كان هنا، لكنه كان غارقًا في كل شيء يخصها.
رفع فنجانه المرتجف إلى شفتيه، ارتشف ما تبقى من مرارته، ثم أعاده إلى الطاولة. لم يعد طعم القهوة يختلف عن طعم الحياة، كلاهما بارد... وكلاهما بلا معنى.