بعد قراءة روايتي المفضلة للمرة المئة اغلقت الكتاب، عندها فقط لاحظت الهدوء الذي طغى على المنزل. يتخلله صوت الثلاجة القديمة المزعج الذي بات بعد كل هذه السنوات جزءا من هدوء الليل..
شعرت بالوحدة ولم يكن يخطر ببالي إلا الذهاب للمكان الذي يعشقه اخي ويقضي فيه ساعات دون ملل ، فدخلت الشرفة ثم تسلقت لأعلى سقف منزلنا القصديري القديم وكان هناك بالفعل، كالعادة فقط يجلس شاردا في الحقول الخضراء، جلست بجانبه احدق في الافق بصمت كسره بقوله:
"غدا.. سأغادر هذا المكان"
بعفوية سألت" ماذا تقصد؟ "
"البقاء هنا لن يغير شيئا.. سأذهب للعمل بالمدينة"
وجهت نظري لأخي الذي لازال يحدق بالمشهد أمامنا ثم قلت بغضب طفيف "تريد تركي هنا وحدي؟ "
رد ببرود" امي وابي... "
" امك وابوك اللذان تتحدث عنهما.. انا بالكاد اراهما.. هما يعيشان بالمصنع ويزوراننا كل ليلة..وانت... انت.."
اشحت بنظري عنه محاولة اخفاء دموعي، وبعد لحظات صمت تابع"لنذهب معا.. "
"كيف سنعيش وحدنا؟ "
"سأهتم بكل شيء.. "
"سمعت ان ابي سيترقى ويصبح مديرا.. قد يجد اوقات فراغ اكثر لنا، و سيزيد راتبه عندها لن تضطر امي للعمل .. سيتحسن الوضع"
"وان لم يحدث"
"لنأمل ان يحدث، عندها سنكون جميعا سعداء "
حدق بي لثوان ثم قال بإستياء واضح :
" هل انت سعيدة هكذا؟ "
"لا... ما اعنيه هو، لم علينا الهرب لنحل مشاكلنا هنا بدلا من ذلك"
عاد يحدق بالغروب بخليط من الغضب والحزن ربما وهو يقول" لا يوجد حل غير ترك هذا المكان"
"لا يوجد حل غير الهرب؟"
"انا..."
"انت جبان فحسب.."
في لحظة غضب رميت الكلمات دون تفكير في وجه اخي ثم تركته وحيدا فوق سقف الطابق الثاني للمنزل وتوجهت لغرفتي حيث نمت مباشرة ...
في صباح اليوم التالي وعلى غير العادة استيقظت على ضوضاء في غرفة المعيشة.. عندما دخلت، وجدت امي وابي جالسين على الاريكة ومعهما رجل غريب لا اعرفه..
كانت امي تبكي وهي تحمل ورقة.. رسالة ربما.. اقتربت منها بتردد..اعرف ان دموع امي لن تنزل إلا لأمر يستحق وما الذي قد يستحق دموعها غير خبر يقطع القلب؟..بتوتر سألت :
"امي... ما الامر؟ "
اعطتني الرسالة ثم قالت بصوت اقرب للهمس:
"انا.... انا السبب"
كانت الرسالة باختصار.. وداعا من اخي... وداعا أبديا....
بقلم قلب حالم... عن عقل أثقله اليأس..
التعليقات