بينما كُنتُ مُتَأَمِّلاً أحوالَ الناسِ، سمّعتُ صوتَ سقوطِ شيءٍ فذهبتُ لأنظُرَ ما كانَ هذا الشيء، وجدتُ جميعَ الناس يلتفون حولَ جَثَتْ مغطاةٍ بالدماءِ هامِدةٌ على الأرضِ، نظرتُ بقُربٍ أكثر ورأيتُ كساندرا ذاتُ الثمانيةَ عشرَ عاماً قد ألقت بنفسِها وانتحرت.

حزنتُ كثيراً وأردتُ معرفةَ السببِ الذي جعلها تُقدِمُ على هذا الفِعل، ثُم شعرتُ بقدومِ أحدِهم وكانَ باردَ المشاعر وقد كان أنطونيو حبيبَ كساندرا، أن ما أزعجني كثيراً أنه كان برفقةِ إحدى الفتياتِ وكأنها حبيبتهُ الجديدة وقفَ ونظرَ إلى كساندرا مُندهِشٌ فقط دونَ أن يُحرك أي شعورٍ يبعثُ إلى الحزنِ، بينما كان الجميعُ حزينٌ على ما حَلَّ بالفتاةِ المسكينة ومن بين من تشاركوا الحُزن كانت صديقةَ أنطونيو أيضاً لكنها لم تدري ما الذي جرى.

غضِبتُ كثيراً من تصرِفِ أنطونيو ووددتُ لو أنني أستطيعُ الانتقام للفتاةِ المسكينة، فلم أجد أي طريقةٍ إلا أن أزرعَ اَلشَّكّ في قلبِ حبيبتهِ ماري لتبتعد عنه حفاظاً عليها، لم أقصد إيذائها ولكن شكٌّ بسيط سوفَ يجعلُها تبتعد ولن تُفَكِّر بالانتحار.

ضممتُ نفسي وأخذتُ حُزني وذهبتُ بعيداً وكنتُ أنتظِرُ ماري أن تكونَ وحدها، وعند وجودِها لوحدِها كانت تنظرُ إلى زاويةٍ مُظلِمةٍ في غُرفتِها مُتَأَمِّلَة وكأنها تُحدِقُ بي لكنها لا تراني ولا يستطيعُ أحدٌ رؤيتي نعم لا أحد أنا لستُ بشراً وإنما أنا شُعورٌ يدعى الحُب أدخلُ في قلوبِ البشر وأرى منهم من يُقَدِّس وجودي وشقٌّ أخر يرى أنني بشِعٌ بسببِ ما تعرضُ لهُ من الآخرين.

والآن وبعدَ معرفتي سأعودُ إلى هدفي الرئيسي وهو ماري، اقتربت منها وبدأتُ أزرعُ اَلشَّكّ في قلبِها وكان هذا مدخلي الوحيدُ لها فالأنثى دائماً ما يكونُ قلبُها هو الأساس ومشاعِرُها دائماً ما تطغى على عقلِها، وبعدَ ساعاتٍ من الهمسِ في قلبِها اتصلت ماري بأنطونيو وقالت له إنها لا تستطيعُ النوم بسببِ تلك الفتاةِ التي رأتها ثم من بعدِ حديثٍ طويلٍ من أنطونيو لجعلِ ماري تنسى الفتاة وكلامٍ معسولٍ منهُ زرعتُ سؤالًاًّ في قلب ماري ما إذ كان أنطونيو يعرفُ الفتاة وحينما وجهت ماري سؤالها بدا وكأنهُ يتهربُ من السؤال وهنا شددت ماري على سؤالِها وأرادت معرِفةَ الجواب وبعد مناوشاتٍ أخبرها بأنهُ يعرِفُها، ولكنهُ قال لها إن كساندرا كانت تلحقُ بهِ دائماً وأنهُ لم يكُن يعيرُ أي اهتمامٍ لها وأنه أيضاً لم يكُن سبباً في اِنْتِحَارهَا، وهذا لم يكُن صحيحاً بتاتاً.

سعى أنطونيو في ما مضى لكسبِ قلب كساندرا وحاولَ كثيراً لكن كساندرا لم تكُن تريدُ أن يدخُلَ أحدٌ حياتها

لكن دونَ جدوى فقد صمم أنطونيو على أن يُحبها، وَبِكُلّ اَلطُّرُق الممكنةِ حاولَ أنطونيو وبكثيرٍ من الكلامِ المعسول إلى أن تمكنَ منها، لقد كانت غاياتهُ بعيدةً كُل البُعدِ عن الحُب الحقيقي، لم تدري المسكينةُ أنه سوفَ يُحَطِّم حياتها بِخِذْلَان وحُزنٍ شديدين.

عندما وصل أنطونيو مبتغاهُ سئمَ منها وبدأ بالهروبِ بعيداً عنها وَتَجَنُّب أي اتصال منها أو مقابلةٍ، لقد بعثرَ صورتي للفتاةِ حتى أيقنت أنه لا وجودَ لي من الأساسِ وأنني مجردُ كذبةٍ يقولها الناس بينَ بعضِهِم، حتى تدهورت حالتُها وشعرت بأنهُ لا حلٌّ سوى أن تتخلصَ من مُعاناتِها المريرة بالانتحار، لقد كانت نجمةٌ جميلة ولكنَ جشعَ أنطونيو جعلها تطفئُ أنوارها للأبد.

إن ما فعلتهُ كساندرا لم يكُن الصوابُ بِكُلّ تأكيد ولكنها باعت روحها لهُ وأحبتهُ بصدق ولم تدري أنه مجردُ كلامٍ كان يقولهُ لها، اِهْتَزَزْت من فعِلتهِ وتم تشويهُ صورتي ومفهومي في العالمِ أجمع من أنطونيو وأشباههِ الكثيرين، أنا لستُ مثلما تعتقِدون لقد أوجدني الله لزرعِ السلامِ بينَ الأرواحِ وأن أُنبِتَ المودةَ في قلوبِهم لستُ سيئاً إلى هذا الحد الذي يجعلُ الناس تكرهُني بل أنهم يخلِطُوني مع شبيهٍ لي ويسمونهُ باسمي للأسف

دَعْ اَلْحُبّ يغمُرُ أرواحكُم وَأُحِبّ بصدقٍ وخوفٍ بأن لا تخسروا من تُحبون.