ثم إستسلمت ، تركت جسدى يغرق فى مياه البحر وعقلى يغرق فى أمواج التفكير

وعيناي ثابتتان خاشعتان يراقبان هذا المشهد المهيب فى تأمل ورهبة ، أعتقد أنى إستلهمت إستسلامى من إستسلام السفينة الضخمة وهى تمتلأ بالماء ويبتلع البحر نصفها السفلي ويلتهم الباقى رويدا رويدا..

ذلك البحر الذى قرر فى عجالة أن تكون وجبته عدد لا بأس به من النفوس البشرية المهلهلة ذوات الأحلام البالية ، لم تكن فى الواقع أكثر من حلم واحد تناولناه كلنا بنفس تفاصيله وأفكاره ، ومنح كلا منا نفس المقدار من الشغف للوصول لذلك المستقبل المستلقي على الشاطئ المقابل

كل إتجاهات بحثنا وتساؤلاتنا وإستشاراتنا كانت تدور حول - هناك - ما بعد الوصول للنور على الجانب الآخر

للأسف لم يكن لدينا أدنى فكرة عما يدور داخل أعماق البحار لم نكن نعلم شيئا عن سلوك ذلك المخلوق المتهور الجائع ولم نفكر لحظة فى تذكرة عبوره أو حتى رشوته كي يتركنا وشأننا أو يتغافل عن سفينتنا الضعيفة لنكمل إلى وجهتنا التى كبدناها عناء نجاحنا من قبل أن نراها أصلا ..

عُميت أعيننا جميعا عن تلك الأزمة، فلا أحد إنتبه إلى ضعف جوانب السفينة وإلى إلى زئير البحر الذى يملأ الآذان ، الكل كان ينظر إلى الأعلى الى الهدف والغاية من دون ان نفكر فى سلوك الوسيلة التى قررت أن تختار سفينتنا دوناً عن جميع اليخوت الفارهة التى تحوى كل ما لذ وطاب ولا أى من تلك الناقلات الضخمة او العبارات التى تلمع ألوانها من بعيد

وكأنه بحر تعيس مثلنا ، قليل الحظ يعشق الفقر والنفوس البالية والأجساد المنحولة المهملة التى تكبدت ظلم العيش وضيقه ، يحب العظام التى حملت وهن الاستعباد وذل الفقر ، ويهوى القلوب التى هانت أرواحهها عليها ولم تخش ان تركب السفينة ذات الأخشاب التى نحت البحر جدرانها ومنحها الكثير من الفرص من قبل كى ترحل عنه فى سلام ...

كل الأمور إجتمعت هنا وأظن ان الجميع يستسلم مثلي الآن

فلنستقر فى القاع حيث كنا دائما وهنيئا للبحر دفئ أحلامنا .