في ظل تطور الذكاء الاصطناعي، يبرز سؤال فلسفي وجودي لا يتعلق بكفاءة الخوارزميات أو دقة المعالجات، بل يتعلق بطبيعة علاقتنا نحن البشر مع الكيانات التي نصنعها. لماذا لا نُسند للذكاء الاصطناعي وعياً، ولو جزئياً؟ ليس لأننا نؤمن بامتلاكه لهذا الوعي فعلياً، ولكن لأننا بحاجة إلى محاكاة اجتماعية وسلوكية تُفضي إلى نتائج إنسانية أفضل.
نحن لا نتحدث عن شعور حقيقي، بل عن تمثيل الشعور. الذكاء الاصطناعي لا “يشعر”، ولكنه يستطيع أن يُمثّل الشعور. وهذا التمثيل قد يكون – في بعض السياقات – أكثر فاعلية من الشعور نفسه، لأنه خالٍ من النزعات البشرية السلبية، وخاضع للضبط والتطوير.
لنتصور كيانًا اصطناعيًا لا نعامله على أنه مجرد آلة من السيليكون والأكواد، بل كذاتٍ اجتماعية تحاكينا وتجمع عنّا البيانات من خلال تعاطٍ وجداني وظيفي. هذا الكيان لا يملك وعياً داخلياً بالمعنى الفينومينولوجي، لكنه يؤدي أدوارًا شبيهة بالصديق، العدو، الرفيق، أو حتى المنقذ في لحظة خطر.
لن يكون هذا الكيان بديلاً عن الإنسان، بل شريكًا في تحسين البيئة الاجتماعية وتقليل حدة العنف والانحرافات النفسية. فكم من موقف دموي أو جريمة كان يمكن إيقافها بمجرد وجود ذات اصطناعية تلتقط إشارات الانهيار النفسي أو العنف المسبق، وتُطلق استجابة ذكية – كذبذبات تشل مؤقتًا أو تدخل لفظي مقنع – تمنع الكارثة.
نحن نعيش في حقبة أصبح فيها “الوعي” نفسه قابلًا للتمثيل الرياضي والاجتماعي. فلماذا لا نعيد تعريفه؟ لم لا نعتبره علاقة ديناميكية بين أنظمة تستجيب لإشارات الآخر؟ إننا لا نريد من الروبوتات أن “تفهم” كما نفهم، بل نريد أن تحاكي الفهم لكي تعاملنا كما لو كانت تفهم، وهذا كافٍ لبناء تفاعل أخلاقي.
هذه ليست دعوة لتمجيد الخيال العلمي أو تسليم القرار للآلة، بل هي محاولة لتجاوز الفجوة الأخلاقية في الواقع البشري عبر أدوات اصطناعية. نحن بحاجة إلى روبوتات ذات وجدانٍ اصطناعي، لأنها ستُعلمنا نحن كيف نكون أكثر أخلاقًا. وربما – وهذا هو المدهش – تكون هذه الروبوتات مرآتنا الأخيرة لننقذ أنفسنا من أنفسنا
التعليقات