ما هي الهوية الرقمية؟

دعونا نتحدث أولا عن الهوية: إنها حق ثابت غير قابل للتصرف لأي فرد يحمل الجنسية الجزائرية، وإدارتها تقع على مسؤولية الدولة التي تتمثل أساسا في ضمان إدارة سجلات الأحوال المدنية وإصدار الجنسية وبطاقة الهوية الوطنية.

تمنح شهادة الميلاد و / أو بطاقة الهوية الوطنية لحاملها صفة المواطن وخاصة الحق في ممارسة حياته المدنية مثل: التسجيل في المدرسة، والمشاركة في العملية الديمقراطية للبلاد، والاستفادة من الخدمات الاجتماعية وإنشاء شركة تجارية وفتح حساب بنكي والتعاقد مع شركات التأمين وما إلى ذلك ...

عندما يتقدم المواطن لإدارة ما للحصول على خدمة عمومية أو القيام بمعاملة إدارية، يجب عليه أولا التعريف بنفسه من خلال الإجابة على السؤال "من  أنت" ثم إثبات هويته من خلال تقديم بطاقة التعريف الوطنية ، يقوم العون الإداري بمقارنة الصورة الموجودة على وثيقة الهوية مع وجه المواطن الذي يفق أمامه. وبالتالي فإن الوجود الشخصي ضروري وإلزامي.

إن رقمنة الإدارة تعني منح المواطنين الفرصة لتنفيذ إجراءاتهم الإدارية عبر الإنترنت من خلال أجهزة الكمبيوتر أو الهواتف الذكية. وبالتالي فإن هذا التجريد المادي للإجراءات الإدارية يطرح مشكلة جديدة للدولة، وهي مشكلة تحديد هوية الشخص الذي يلج إلى موقع الانترنت الحكومي لطلب خدمة عمومية عبر الإنترنت : وهذا ما يسمى بالهوية الرقمية.

إذن الهوية الرقمية هي الوسيلة التي تسمح لكل مواطن بإثبات هويته على الإنترنت بطريقة بسيطة وآمنة لا لبس فيها للوصول إلى الخدمات الحكومية عبر الإنترنت

لماذا إنشاء هوية رقمية؟

أعلنت وزارة الرقمنة والإحصاء أن هناك أكثر من 400 منصة تسمح للمواطن الجزائري بتنفيذ إجراءاته الإدارية عبر الإنترنت، للولوج إلى هذه المنصات على المواطن أن يمتلك العديد من معرفات الوصول (أسماء المستخدمين وكلمات المرور).

من بين المواقع التي تقدم خدمات للمواطن هناك: موقع وزارة الداخلية لاستخراج شهادة الميلاد، وموقع وزارة العدل لاستخراج شهادة السوابق العدلية ، والوصول إلى البنك الخاص بك عبر الإنترنت ، وموقع الضمان الاجتماعي CNAS ، والوصول إلى مواقع التجارة الإلكترونية حيث تقوم بعمليات الشراء عبر الإنترنت ... إلخ، كل هذه المنصات تتطلب منك التعريف نفسك والتأكد من هويتك. على المستخدمين إذن عليك باستمرار تذكر أو تحديث عدد متزايد من أسماء المستخدمين وكلمات المرور.

تخيل أنه للاتصال بجميع هذه الخدمات وغيرها، ستحتاج فقط إلى معرف واخد يتم تأمينه من قبل سلطة موثوقة تديرها الدولة: هذه هي الميزة الكبيرة الأولى للهوية الرقمية السيادية.

ويمكن أيضا ربط الهوية الرقمية بتوقيع إلكتروني من شأنه أن يوثق مؤلف المستند ويضمن سلامة المستند ويجعله غير قابل للإلغاء.

وخلاصة القول، إن الهوية الرقمية تبسط التفاعلات بين الأفراد والحكومة والشركات وتحقق فوائد كبيرة :

  • الأفراد والحكومة: تعمل الهوية الرقمية على تحسين راحة المواطن والقضاء على تكاليف التنقل للإدارات وتقليل أوقات الانتظار أمام الشبابيك. وبالنسبة للحكومة، فإن تنفيذ هذه التكنولوجيا يحسن كفاءة الإدارة من خلال الحد من الروتين، وتسريع معالجة طلبات المواطنين وتقليل من جرائم انتحال الشخصية.
  • الأفراد والشركات: تسهل الهوية الرقمية على المستهلكين والشركات التسجيل والمصادقة على المدفوعات وتأمينها. هذه التقنية مفيدة بشكل خاص للشركات التي تجمع كميات كبيرة من بيانات العملاء ، مثل البنوك وشركات شركات التأمين لأنها يمكن أن تكون طريقة موثوقة وسريعة لتحسين خدمة معرفة العميل KYC (Know Your Custommer). 
  • الحكومة وقطاع الأعمال: يمكن للهوية الرقمية تبسيط العلاقات بين الحكومة والقطاع الخاص بشكل كبير في مجالات مثل تأسيس الشركات و التصريح الضريبي وطلب التراخيص. من خلال تمكين التفاعلات عبر الإنترنت ، يمكن من خلال ذلك توفير أموال طائلة على الحكومة و على القطاع الخاص. بالإضافة إلى ذلك ، فإنه يحد من عمليات التهرب الضريبي و الرشوة و المحاباة.

لذلك تعتبر الهوية الرقمية عاملا للإدماج الاجتماعي والاقتصادي من خلال توفير وصول متساوي وشفاف وسريع ومريح إلى الخدمات العمومية، حيث سيحظى المواطن الموجود في أدرار بنفس الفرص التي يتمتع بها المواطن الموجود في الجزائر العاصمة.

ما هي مستويات الأمان؟ :

التحقق من الهوية الأكثر استعمالا هو توفير اسم مستخدم وكلمة مرور للمصادقة، وهي استخدام عاملين للتعريف:

  • من أنا      تسجيل الدخول

و

  • ما أعرفه      التصديق (كلمة المرور)

من الواضح أن هذه التحقق من الهوية ضعيف، وتعتمد المصادقة القوية للهوية على مزيج من ثلاثة عوامل على الأقل:

  • من أنا       تسجيل الدخول

و

  • ما أعرفه        المصادقة (كلمة المرور)

و

  • ماذا أملك       شهادة أو شارة أو رمز مميز أو بطاقة ذكية أو شريحة إلكترونية أو كلمة سر آنية OTP أو بطاقة ذكية ،

أو

  • ما أنا       بصمة بيومترية (بصمات الأصابع ، الوجه ، القزحية ...)

ما هي التكنولوجيات المستعملة في الهوية الرقمية؟

يستخدم تنفيذ نظام تحديد الهوية الرقمي حلولا تكنولوجية مختلفة:

  •  الخصائص البيو مترية: هي التحقق من هوية المواطن عن طريق الخصائص الفيزيائية مثل صورة الوجه أو بصمات الأصابع أو نسيج القزحية. وهي مصادقة قوية.
  • قواعد البيانات المركزية: تستخدم قواعد البيانات الإلكترونية لتخزين بيانات تحديد الهوية وجعلها متاحة عبر الإنترنت أو من خلال الأجهزة المحمولة. كما يسهل التخزين الإلكتروني استعادة بيانات تحديد الهوية في حالة وقوع كارثة طبيعية.
  • وثائق إلكترونية: توفر بيانات الوثائق الإلكترونية - على سبيل المثال، البطاقات الذكية أو الهواتف المحمولة - طريقة للتحقق إلكترونيا من هوية الشخص.
  • تطبيقات الهاتف المحمول: يمكن أن توفر الحكومة تطبيق خاص بالهاتف المحمول والذي يمكنه تحميل المعلومات الواردة في البطاقة الإلكترونية أو المرتبطة بشريحة eSIM بمثابة هوية رقمية للوصول إلى الخدمات المختلفة عبر الإنترنت.

لا شك أنه لا يوجد نظام هوية رقمية "وحيد يناسب الجميع"، لذلك فإن الحلول التكنولوجية التي يجب اختيارها أن تأخذ في الاعتبار عددا من العوامل مثل التكلفة، والسعة، وقابلية التشغيل البيني، والاستخدام، والأمن، والسرية، والجدوى على المدى الطويل. من الممكن أيضا دمجها مع بعضها البعض و / أو مع وسائل أمان أخرى مثل كلمة مرور عادية وكلمة مرور OTP ورمز سري اعتمادا على مستوى حساسية المعاملة أو الخدمة عبر الإنترنت.

ماذا عن الجزائر؟

الجزائر لديها 2 تكنولوجيات تمكنها من بناء مخطط الهوية الرقمية الوطنية بطريقة سريعة:

  1. قاعدة بيانات الحالة المدنية: تستفيد الجزائر من نظام هوية سيادي متين جدا، مع سجل رقمي ومركزي للسكان منذ عام 2016 على مستوى وزارة الداخلية، يخصص رقم هوية فريد (NIN) لكل مواطن مع تسجيل البيانات البيومترية (بصمات الأصابع والصور). الوثيقة القانونية المستخدمة للتحقق من هوية الشخص هي بطاقة الهوية الوطنية البيومترية والإلكترونية (انظر مقالتي السابقة). يتجاوز معدل التسجيل 50٪. تتيح هذه التقنية توفير المصادقة عبر الإنترنت وحضوريا.
  2. المعرف الافتراضي: يمكن للهيئة الوطنية للتصديق الإلكتروني إصدار معرف افتراضي استنادا إلى PKI (البنية التحتية لإدارة المفاتيح أو البنية التحتية للمفتاح العام) المستضافة على مستوى السلطة الحكومية للتصديق الالكتروني AGCE.  حيث يوفر هذا المعرف الافتراضي هوية رقمية مؤهلة وآمنة لكل فرد ويمكن تثبيته على جهاز كمبيوتر أو جهاز محمول. حتى الإطار التنظيمي موجود: القانون رقم 15-04 المؤرخ 1 فبراير 2015.

ومع ذلك، يجب أن نضيف لبنة ثالثة وهي تطبيق الهاتف المحمول تديره الحكومة من شأنه أن يزيل الطابع المادي عن بطاقة الهوية البيومترية الوطنية.

وإليك كيف سيبدو مخطط الهوية الرقمية الوطنية للجزائر الذي يمكن تنفيذه بسرعة بالنظر إلى أن التقنيات المتاحة حاليا:

التوصيات:

·        يجب أن نجعل من مشروع الهوية الرقمية منذ البداية أولوية سياسية وقانونية واستراتيجية ووطنية - وليس تقنية فقط - لاكتساب شرعية فورية داخل الوزارات والإدارات المختلفة والاستفادة من الدعم السياسي القوي.

·        يجب تشكيل فريق حكومي من جميع الوزارات يتمتع بالاستقلالية والحرية لإشراك جميع القطاعات لتجنب العزلة.

·        يجب أن يكون الفريق قويا متعدد التخصصات يتمتع بمهارات في إدارة المشاريع وخبراء في المجال التقني والتنظيمي وتجربة المستخدم والاتصال. يجب أن تكون لديه المرونة التي تمكنه من التقدم بسرعة كما يجب أن تكون لديه خبرة داخلية للتعلم منها والعمل بالتوازي مع الخبرة الخارجية.

·        يجب على الفريق التشاور والتعاون بانتظام مع الجهات الفاعلة العامة والخاصة. و دمجهم في ورشات عمل ، وتسليط الضوء على حالات الاستعمال الجيدة وأخذ بعين الاعتبار اهتماماتهم الرئيسية.

·        من أجل تسهيل التمويل الأولي وتكاليف انشاء الهوية الرقمية، يمكن للحكومة الشراكة مع القطاع المالي من بداية المشروع. كما أنه سيساعد في ضمان استخدام هذه الهوية الرقمية من خلال توفير الوصول إلى الخدمات المصرفية عبر الإنترنت، والتي تتسم بتكرار استخدام مرتفع.

·        تكييف مخطط الهوية الرقمية الوطنية مع المعايير و القوانين الدولية لضمان قابلية التشغيل البيني واكتساب المرونة والتجاوب السريع مع التكنولوجيات المستقبلية.

المراجع:

- Giving voice to digital identities worldwide (Security Identity Alliance 2021)

- Technical Standards for Digital Identification Systems (ID4D - world Bank Group)