منذ فترة سألني صديق لي سؤالا رغم أنه بسيط إلا أن إجابته فائقة التعقيد، وهو كيف تصل إشارات الهواتف إلينا من أي مكان في العالم؟ وكيف لا تتداخل إشارات الهواتف مع بعضها؟ ولأن هذا السؤال يتكرر كثيرا فضلت أن أشارك معكم الإجابة في هذه المساهمة، فما هي التقنيات التي تقف خلف نظام الاتصالات العالمي؟؟

يعمل نظام الاتصالات من خلال بنية تحتية عملاقة ومعقدة ومنتشرة حول العالم، تضم محطات تقوية وأبراج إرسال ومراكز تحكم وأقمار صناعية، وتنتقل إشارة الاتصالات بين هذه الشبكة حول العالم، أو لنأخذ الأمر على نطاق أضيق، وليكن مثلا دولة ما.

عندما تقرر دولة ما إنشاء شبكة اتصالات، فإنها أولا تبدأ ببناء البنية التحتية وربطها بنظام تحكم واحد، هذه الشبكة هي أبراج الاتصالات التي نراها جميعا، هذه الأبراج متصلة فيما بينها من خلال موجات تسمى موجات الميكروويف، وهي موجات ذات تردد عال جدا ولها خواص مميزة تجعلها مناسبة لهذا النوع من الاتصالات، ويسمى كل برج من هذه الأبراج "خلية"، ويتصل به عدد من الهواتف المحيطة به.

الآن بعد أن تقوم شركة الاتصالات ببناء هذه الأبراج، تذهب لمنظمة ITU وهي الاتحاد الدولي لتنظيم الاتصالات، وهذه المنظمة هي المسؤولة عن تنظيم النطاقات الترددية، بمعنى أنها تحدد أن هذه الشركة مثلا سوف تستخدم تردد 2.4 GHZ، وبالتالي لا يسمح لأي أحد حول العالم باستخدام هذا التردد، فقد أصبح مسجلا لملكية هذه الشركة، وذلك حتى لا يحدث تداخل في الإشارات بين أنظمة الاتصالات، في العادة قد تشتري الشركة 300 نطاق ترددي.

الآن أصبحت الشبكة جاهزة، ولكن تبقى فقط خطوة تصنيع شرائح الاتصالات، وهذه الشرائح دورها ليس الاتصال بالشبكة بل تنظيم عملية الاتصالات، حيث أن لكل هاتف مجموعة من البيانات الخاصة تخزن على هذه الشريحة، مثل رقم IMEI وهو يشبه عنوان IP في الانترنت، والنطاق الترددي الذي يستقبله هذا الهاتف، والرقم التسلسلي وغيرها من البيانات، وفي كل ثانية يرسل هاتفك جميع هذه البيانات إلى برج الإرسال القريب منك ليخبره أنه موجود، وبالتالي عندما يتصل بك شخص ما ويطلب الرقم الخاص بك، فإنه يرسل بيانات هاتفه وهاتفك أنت أيضا للبرج القريب منه، وبالتالي يرسل هذا البرج إشارة للنظام ليبحث عن البرج الذي يتصل به هذا الهاتف، وعندما يجده يرسل له رسالة الاتصال فيرسل لك البرج بيانات المتصل ويفتح بينكما قناة اتصال على النطاق الترددي المحدد، علما بأن هاتفك يلتقط كل النطاقات الترددية في نفس الوقت مهما كانت، ولكن هناك دوائر إلكترونية في الهاتف تعمل على استبعاد الترددات غير المطلوبة والتقاط الترددات التي تحددها أنت، تسمى هذه الدوائر Filters.

الآن هناك سؤال مهم، إذا كانت الشركة تمتلك حوالي 300 نطاق ترددي فقط في الشبكة كاملة، فكيف تتم عشرات الآلاف من المكالمات كل ثانية، كيف يتم تغطية هذا العدد الهائل من الهواتف في نفس اللحظة؟، والإجابة هنا تكمن في واحدة من أكثر تقنيات الاتصالات تعقيدا ودقة، والحقيقة أنك لا تستخدم النطاق الترددي بمفردك، ففي نفس اللحظة التي تجري بها مكالمة على تردد معين هناك مكالمات أخرى تتم على نفس التردد، ويمكنك نظريا سماع كل هذه المكالمات إذا امتلكت الأجهزة المناسبة، وتتم هذه العملية كالتالي:

تقوم الشركة بتقسيم كل نطاق ترددي لنطاقات أصغر كثيرا قد تصل حتى 1000 نطاق فرعي، تستخدم أنت أثناء المكالمة نطاق واحد فقط، وفي نفس الوقت يقوم نظام التحكم بدمج العديد من المكالمات على نفس التردد الفرعي، ولكن يتبدل هذا النطاق بين هذه المكالمات بسرعة كبيرة جدا في الثانية أسرع من أن تتمكن من ملاحظتها، كما يقوم بحجب المكالمات الأخرى عنك، لكن عمليا فيمكن أن تكون أنت وعشرون شخصا أخرين تستخدمون نفس التردد في نفس اللحظة، ويمكنك التقاط جميع هذه المكالمات في نفس الوقت اذا كان لديك أجهزة التحكم المناسبة، وبالتالي يتحول 300 تردد إلى مئات الترددات الفرعية.

هذه فقط بعض التقنيات البسيطة التي تعمل على مدار الساعة في أنظمة الاتصالات، وهي بالطبع تخضع لحسابات فائقة الدقة وهناك المزيد من التقنيات الأخرى التي تساهم مجتمعة في أن تعمل هواتفنا بالشكل الذي هي عليه اليوم.

ترى أيهما أكثر تعقيدا، شبكة الانترنت أم نظام الاتصالات؟ وهل هناك تقنيات أخرى يمكننا استخدامها لتطوير نظام الاتصالات العالمي؟؟