يتبادر إلى الذهن، عندما نُنظِّر لانتهاء عصر الشبكات الاجتماعية، عدّة زوايا، ومن هذه الزوايا خصوصية المستخدمين، والتحكّم الزائد فيما ينشر الناس، كحجب بعض الكلمات وجعل بعض المواضيع حكرًا على بعض الجهات.
زاوية أخرى يكثر الحديث عنها هي علاقة هذه الشبكات بالصحّة النفسية للأفراد، وكيف تزيد من همومهم بفتحها لأبواب المقارنة اللامنتهية مع الآخرين، أو زاوية التأثير على التركيز، وإدامة سوق التشتّت.
لكن الزاوية التي أتحدّث فيها اليوم هي زاوية جديدة، زاوية تقنية، من شأنها أن تجعلك تُشكّك بالأفضلية المُسلّمة لهذه الشبكات على غيرها.
الماضي القديم
كانت المنتديات هي السوق الرائجة قبل ظهور فيسبوك وتويتر، لو كُنت أحبُّ التنس، سأذهب إلى مواقع تنسية خاصّة فيها أناس يُشاركوني ذات الاهتمامات، نتحدّث عن المباريات ونتشارك أخبار اللاعبين. وهكذا بشأن بقية الاهتمامات، كانت الحياة الاجتماعية تتمثّل بأجزاء من فيسبوك متناثرة هنا وهناك.
الماضي القريب
تغيّر الحال عندما بدأت فيسبوك ومثيلاتها بالظهور، أصبحت الحياة الاجتماعية تتمثّل بشركة كبيرة، فيها أجزاء مصغّرة لكل ما تفكّر به من اهتمامات، كل شخص أصبحت لديه مساحة خاصّة في هذه الجيل الجديد من شبكات التواصل، والذي زادها إثارة على المنتديات، أنّك في فيسبوك ستخالط أناس تعرفهم في الواقع، حتّى لو لم تشاركهم كلّ الاهتمامات، ستلتقي بهم على بعض المنشورات.
الحاضر والمستقبل
هذه الأفضلية لشبكات التواصل بدأت تخبو شيئًا فشيئًا، لم تعد شبكات التواصل تملك هذه الأفضلية التقنية التي مكّنتها من اكتساح المنتديات.
لم تعد تتحقق من بروفايل صديقك عشرين مرّة في اليوم
لم تعد فيسبوك تضع نفس الموارد على تواصل الأخلَّة والأُلّاف، الاتجاه الجديد يعتمد على فيض المعلومات والأخبار المُمتعة التي تُبقي المستخدم مشدوهًا لشبكتها لأكثر فترة مُمكنة.
الرسائل الشخصية تُرسل على شبكات أكثر "شخصية"
بالنسبة لي لم أعد أراسل أصدقائي على فيسبوك أو ماسنجر، عندما أريد أن أشارك صديقي شيئًا مهمًا أو مُضحكًا، سأرسله على واتساب أو تلجرام، اختلف شعور التواصل الشخصي في فيسبوك، أصبحت وكأنَّك تكلّم صاحبك في شارع صاخب!
لم تعد الواجهات الجميلة حكرا عليها
الواجهات الجميلة كانت عنصر أساسي لتحوّل المستخدمين من المنتديات إلى منصّات التواصل، لكنّ مع التطور في البرمجة والتصميم، أصبح من المُمكن لأي شركة أن تُنتج واجهة جميلة تجذب المستخدمين.
المحتوى لم يعد مميزًا
الرائج في 2008 كانت المحتويات النصيّة، وعندما ظهرت فيسبوك فازت بهذه الأفضلية على منافسيها، لكنّنا الأن في عصر تعدّدت فيه مصادر المحتويات، لو أردت مشاهدة شيء مُمتع لأخترت الفيديوات، ولو أردتُ شيء يُثير فيَّ التفكّر، لاستمعت إلى مفكّر في بودكاست، سيكون هذا أمتع عندي من مشهور ينشر صوره أو اعلاناته!
هذا عرض مختصر لبعض الجوانب التقنية التي تراجعت فيها أفضلية الشبكات الاجتماعية، وقد لا أتجرّأ وأقول أنّها ستنتهي بعد خمس سنوات، لكن بحلول تلك الفترة، لن نرى من يعرّف نفسه بأنه مُستخدم لشبكة مُعيّنة، أو لعلّنا نتذكر الوقت الذي سيطرت عليه تلك الشبكات على الانترنت بشيء من الغرابة!
التعليقات