إننا يومياً نتحدّث عن الكراهيّة والحقد والتنازع والخصام، يومياً لدينا الكثير من هذه المواضيع تُطرح على مواقع التواصل الاجتماعي والانترنت عموماً، وعلى القنوات الاخبارية وأحاديث الناس خصوصاً، الحديث عن الكراهية وما يسببه هذا الأمر للمجتمع تقريباً هو حديث كل فترة قصيرة، حديث مستمر لا ينقطع، كل شيء حرفياً من الأخبار تقريباً يدور حول الكراهية أو الأمور السلبية، ويعمل معظمنا على نشر الحب، أي على نشر النقيض من الكراهية ويدّعي كثيرون بانّ هذا هو الحل الوحيد لبناء مجتمعاتنا وإعادة إعمار المُنهدم من المُدن بفعل الكراهية والعلاقات بفعلها أيضاً. 

لكننا نغفل حين نطرح الحل على أنّ الحل الذي نطرحه هو أيضاً سلاح ذو حدّين وأنّ حتى الحب يمكن أن يصبح أداةً قاتلة في يد من لا يحسن استخدام هذه الصفة الإنسانية باعتدال ويبالغ جداً في تطرّفه فيها والمبالغة بإلقاء أعظم الأثر والأهمية عليها، لتغدو المبالغة بالحب أيضاً أمراً ضاراً وسلبياً على مجتمعاتنا. 

هل فكّرت مرّة في ما الذي فعلاً يقوم بتدمير طفل صغير في العمر من حيث قلة الأخلاق وانعدام المسؤولية؟ الجواب بالطبع، الجواب الأنسب: المبالغة في حب والديه لهُ. هل فكّرت يوماً ما الذي يكوّن الكثير من معدّلات الجرائم عالية بين الأزواج والعائلات والأصدقاء؟ المبالغة في الحب. وهل فكّرت يوماً ما الذي يجعل الكثير من الشعوب تدخلُ في نزاعات وصراعات دامية بين بعضها البعض؟ ذات الأمر دائماً: المبالغة في الحب.

يتحدّث مسلسل الانمي الياباني الذي أعتقد أنّهُ أفضل ما انتجت اليابان من anime أصلاً بين كل أعمالها attack on titan عن هذا الموضوع، عن شعب يواجه عمالقة، وهؤلاء العمالقة قد يأخذهم المشاهد العادي على أنّهم عمالقة وفقط بدون أي فلسفة للأمور، على أنّ المشاهد الواعي يعي فوراً بأن للأمر رمزيات كثيرة، أهمّها بأنّ هؤلاء العمالقة هم المشاكل التي تواجه أي شخص أو جماعة، يمثّلون المشكلة، والحل يأتي بالتغلّب عليهم، وهنا يبدأ السؤال الذي يعنينا، هل يفلح التغلّب عليهم بالحب والمبالغة بالحب؟ 

للأسف المبالغة بالحب كما كل الحالات السابقة التي تكلمنا عنها أعلاه تُفسد الأمر، ولا يقف الأمر عند هذا الحد بل يجعلهم يتحولون واحداً تلو الأخر لكائنات شريرة تضاهي الشر الذي يواجهونه، كائنات إلغائية إقصائية عنيفة باسم الحب. 

والأن، هل ما زلت تعتقد أنّ الحب والمبالغة بالحب أمور يُعوّل عليها؟ هل تمتلك قناعة مختلفة يمكنك اثباتها؟