في زمن تتداخل فيه الأصوات وتتسابق فيه الصور على عقولنا وقلوبنا، بات الحديث عن الفن – بمختلف أشكاله من أفلام وموسيقى وشعر – أمرًا ضروريًا، لا بد أن يكون فيه **ميزان الوعي والضمير** حاضرًا.

الفن ليس حرامًا بالمطلق، بل هو **وسيلة**، إن استُخدمت في الخير كانت نورًا وهدى، وإن استُغلت في الشر أصبحت أداة هدم وانحراف.

---

### 🎬 **السينما.. بين الهدم والبناء**

ليست كل الأفلام شرًا مطلقًا، فقد تكون وسيلة هادفة لتصوير مشكلات المجتمع وعرض سُبل حلها، أو توعية الناس بمخاطر معينة.

لكن الواقع المؤلم هو أن الكثير من الأفلام اليوم تصور "البلطجي" كبطل شعبي، و"صاحب الخلق" كضعيف مهزوز، فتُشوه القيم وتُطمس القدوات.

أصبح الجدع هو من يحمل السلاح لا من يحمل القلم، وأصبح القوي هو من يبطش لا من يعفو، فكان لزامًا علينا أن نعيد للفن رسالته، لا أن نمنعه كليًا، ولكن أن نُهذبه ونقوّمه ليكون خادمًا للحق لا للباطل.

---

### 🎵 **الموسيقى.. بين تطهير الروح وتلويثها**

الموسيقى ليست شرًا بذاتها. فالقرآن نفسه نزل بصوت جميل ونغمة عذبة.

وقد قال النبي ﷺ: *"زينوا القرآن بأصواتكم"*، وكل مخلوق في الكون يسبّح بحمد الله، حتى هدير البحر وصوت البلبل ونغمات الطبيعة، كلها ألحان فطرية تسبيحية.

لكن هناك موسيقى فاسدة، تتعمد الإثارة، وتلعب على غرائز النفس، وتزرع الخوف أو الحزن أو التمرد على كل قيد، ومنها تلك التي تسمى بـ"المهرجانات" أو بعض أنواع "الراب" الصاخب الذي يُفقد التركيز ويغرس القلق والعجلة والشتائم في اللاوعي.

فالمشكلة ليست في الموسيقى، بل في **نوعها** ومحتواها وتأثيرها.

---

### 📝 **الشعر.. لسان القلب أو لسان الشيطان؟**

الشعر كان ولا يزال أداة عظيمة للتأثير، وقد استخدمه الإسلام في الدعوة والدفاع عن العقيدة، كما فعل حسان بن ثابت وغيره من شعراء الرسول صل الله عليه وآله وسلم

لكن بعض الشعر اليوم – خاصة المغنى أو الشعبي – تحول إلى وسيلة لنشر الألفاظ البذيئة، والترويج للفجور، واختزال العلاقات في الغرائز فقط.

فهل يعقل أن تتحول الكلمة – التي هي في أصلها صدقة – إلى سهم مسموم يطعن القيم؟

---

### ⚖️ **سلاح ذو حدين**

كما أن السكين تُستخدم في الطبخ أو في القتل، فإن الفن كذلك، هو أداة، ولكن الخطر في اليد التي تمسك به.

**فمتى صار الفن هادفًا؟**

حين:

* يزرع في النفس حب الوطن.

* يُعلي قيمة الصدق والرحمة.

* يروي قصص الأنبياء والصالحين بلغة معاصرة.

* يحفز العقل على التفكير ويغذي الروح لا الجسد فقط.

**ومتى صار الفن هابطًا؟**

حين:

* يغري بالغريزة.

* ينشر الألفاظ النابية.

* يُظهر الفساد على أنه بطولة.

* يُضعف مناعة القلب ويشوّه الذوق العام.

---

### 🧠 **تأثير خطير على العقول والقلوب**

المشكلة الحقيقية أن بعض الفنون الهابطة أصبحت وسيلة لغسيل العقول.

فكما يُدمن الجسد المخدرات، يُدمن العقل "الترند"، وتُصبح الشهرة والمال هي الإله الجديد الذي يُعبد من دون الله.

لقد صرنا نرى:

* الفتاة إذا اشتكت التحرش قيل عنها "شمال".

* الشاب إذا أنقذ مظلومًا قيل عنه "بيتدخل في اللي مالوش فيه".

* والناس بدل أن تطلب النجدة، تصور فيديو وتنشره لتجمع "لايكات"، حتى لو مات إنسان كان يمكن إنقاذه!

---

### 🌍 **الغزو الثقافي... وأين نحن منه؟**

الدول الكبرى صدّرت لنا فنونها من أفلام ومسلسلات وقصص وأغانٍ، بكل ما فيها من خير وشر، من قيم ومعتقدات، ونحن استقبلناها **دون فلترة**، حتى بات شبابنا يردد ألفاظًا لا يعرف معناها، ويرى قدوته في "ممثل ساقط" أو "مغني فاسد" لأنه فقط مشهور!

ونحن لا نُطالب بعزل أنفسنا عن العالم، بل أن نملك **البديل النظيف، الجذاب، والواعي**، نُبدع كما أبدعوا، ولكن في الخير لا في الشر.

---

### 🌟 **الحل: صناعة فن إسلامي راقٍ**

* نحتاج إلى "هوليوود إسلامية".

* إلى منصات تُظهر الجمال بلا ابتذال.

* إلى شعراء يُحيون الضمير، وممثلين يقدّمون القيم لا الغرائز.

* إلى مخرجين وفنيين يُتقنون الإبهار، ولكن في طريق الله.

---

### 🕌 **وأخيرًا… رجوع إلى الأصل**

القرآن فيه كل شيء، فيه القصص، والمشاعر، والأحداث، والعِبر، والتأمل، والتأثير… فهل نُعرض عنه لنبحث عن فنون أخرى تضلّنا؟

املأ قلبك بمحبة الله، وسمّع أذنك القرآن، واشغل بصرك بمشاهد تبني لا تهدم، واطرب روحك بنغمة طاهرة، حينها فقط… لن تكون فريسة لفن هابط، بل ستكون أنت صانع فن يرفع أمة.