حاتم علي.. يكفي ذكر اسمه ليمرّ شريطٌ من الذاكرة الفنيّة بذهن أيّ مشاهد، رجلٌ حفر بكلّ الاتجاهات وفي باله أمرٌ وحيد وسؤالٌ أوّل وأخير: كيف أحكي حكايةً بطريقةٍ تجعل الناس لا تملُّ من إعادة المشاهدة!

قد تبدو جملةً غريبة لكنّهُ قد فعل ذلك فعلاً حين أسس مسلسلة "الفصول الأربعة" الذي لا بُدّ وإلى اليوم ما زالت مشاهدهُ قابلةً للحضور على بساطتها الشديدة، ومازالت مقاطعه مُتداولة وكأنّها صنيع الأمس، يتكررُ ذلك مع مسلسل أحلام كبيرة حيثُ البيئة الشاميّة الأصيلة الطاغية على المشهد بدراماها الاجتماعية، وبمسلسل الغفران الذي يحكي عن الحبّ وتواليه، عن الغفران في حياةٍ جافّة أقسى من أن يُليّنها الحب وحده، قلم حمرة بسرديّاته الداخليّة وحواراته التي تدخلُ الأذن فتُريح القلب وتنعشه.

لكنّهُ على الجهة المقابلة أيضاً، سرد التغريبة الفلسطينية، حيث يتمازجُ التاريخ بالدراما ليُنتج طيناً إنسانياً نعرفهُ جيداً ويؤثّر بنا، سطّر تاريخاً للفاروق عُمر بملحمةٍ دراميّة تاريخية يرتبطُ بها حتى أولئك الأشخاص الذين يكرهون صفوف التاريخ وحكاياه، وأبهر الكُل بالزير سالم الذي صارَ علامةً فارقة بالتلفزيون! جعلنا نعيشُ ربيع قرطبة وصقر قريش ونشاهد صلاح الدين! 

ليأتي السؤال أخيراً، السؤال الذي طُرح عليه في حياته كثير المرّات: بماذا يا حاتم قد نجحت أكثر، بالدراما الاجتماعية أو التاريخية؟. 

يُجيبنا حاتم علي بمساعدة فجر يعقوب في كتابه: الاستبداد المفرح. بالتالي:

"لقد بذلتُ مجهوداً في الأعمال الاجتماعية (أحلام كبيرة والفصول الأربعة وعصيّ الدمع ..إلخ) لا يقل عن الأعمال التاريخية، ولكن على الصعيد العربي، يبدو أنّ الأعمال التي تركت أثراً هي الأعمال الدرامية التاريخية (الثلاثية الأندلسية، الفاروق، التغريبة الفلسطينية ..إلخ) وقد يكون هذا مفهوماً بسبب أنّ لهذه الأعمال صبغة عربية (موضوعات تخصُّ التاريخ العربي - لغة حوار عربية معتمدة من المحيط إلى الخليج).

أيّ هذا مرُدّه إلى الموضوع وليس بالتقنية أو بجودة العمل نفسه، موضوع العمل المعاصر عادةً ما يكون محلياً، بينما العمل التاريخي يكون موضوعه عربياً".

أضيف أيضاً أنا بأنّ حاتم كان يعرف أيضاً اختيار القصص التي تُهمّ الجميع تاريخيّاً، فبين قصّة شعبيّة نهتم بها كُلّنا إلى موضوعة تاريخيّة جدلية إلى سيرة ذاتية عظيمة ..إلخ كُل ذلك جعلنا مُتعلّقين بما نرى، لأننا أصلاً كُنّا متعلقين بذات المواضيع سابقاً لكن بما نعرف فقط، حاتم علي منحنا الرؤية، عين فنيّة على التاريخ. 

وأنت؟ ما هو عملك المفضّل لحاتم علي؟ وهل تفضّل سياقاته التاريخية أم الإجتماعية؟