الخداع قد يأخذ أشكالا و أبعادا أخرى في ( العالم الحيواني غير الإنساني ) فهو يستعمل في تضليل الحيوانات المفترسة أو ربما قد يستعمل في عملية الافتراس نفسها .. و لكنه في ( العالم الإنساني ) غامض و غير مفهوم و يفتح الكثير من التساؤلات ( لماذا بات الإنسان يحتاج إلى خداع إنسان آخر مثله ؟ هل إلى هذه الدرجة نزل مستوى البشر حتى بات من الصعب تمييز أساليبهم عن أساليب الحيوانات ؟ ) ( ما الغرض الذي يؤديه الخداع في حياة البشر ؟ ) ( هل هو أسلوب فطري طبيعي غريزي يؤدي غرض معين في حياة الشخص ؟ )
هل الخداع أسلوب غريزي فطري طبيعي في بني البشر أم أنه شيء اصطناعي ؟
بالنسبة للحيوانات فهي تتصرف بغريزة البقاء، على الرغم أنك في بعض المواقف قد تتساءل كيف تصرف الحيوان بهذا الأسلوب وكأن له عقل! ولكن في الحقيقة التصرف مبني على تطور القدرات على الحماية والبقاء فقط، وحتى نأخذ مثالًا واقعيًا، الحيوانات عندما تألف الحياة مع الإنسان، غالبًا لا تغدر به إلا في حالة المحفزات القوية جدًا التي قد يفقد فيها الحيوان سيطرته، غير ذلك طالما يحصلون على اهتمام ورعاية من الإنسان، يقابلون ذلك بإظهار الوفاء وحتى مشاعر من الحب والحزن كما يفعل الإنسان، إذًا الحيوان يستخدم التمويه والخداع لبقاؤه. أما إذا نظرنا للإنسان، فهناك نقطة مهمة الغرائز والدوافع غير المنطقية والتي لا تَعتبر أي أخلاقيات أو تعقل هي مسؤولية العقل اللاواعي، في حين أن الإنسان يمتلك وعي، أي أنه يستطيع التفرقة بين السلوك المناسب وغير المناسب حسب مبادئه وأخلاقه.
قد تكون هناك أنوع من الخداع واجبة في بعض المواقف للنجاة بحياة صاحبها، هنا التصرف الغريزي مسيطر ومطلوب، أما لو أنك تُخادع من حولك للوصول لمصالح شخصية (غير ملحة) وقد تكون حتى غير أخلاقية، هنا هذا نوع من التلاعب أو الميكافيلية، على أن تعريف الخداع نفسه قد يختلف من شخص لآخر وكلّا حسب ما يعتقده.
يبدو ذلك مقبولا أخلاقيا من الناحية الغريزية المشتركة بين الإنسان و الحيوان التي تهدف إلى البقاء بشكل غير واعي مقصود .. و لكنه بالطبع يصبح غير أخلاقي إذا استعمل بشكل متعمد في إلحاق الأذى على المستوى القريب أو البعيد .. لا يدري المخادع أنه بخداعه يقوم بتعليم الناس و تمرير مخادعاته من دون أن ينتبه .. ربما يظن أنه يجني على أهداف محددة و لا يدري أنه يجني على أشخاص أبرياء آخرين لا ذنب لهم دون تفرقة و تمييز و هذا شيء خطير للغاية و يصنع مزيدا من المتشوهين نفسيا ..
أعتقد أن الخداع ليس أسلوباً غريزياً أبداً في طبيعة الإنسان، ولكنه نشأ لديه مع مرور الوقت بسبب فساد الفطرة، حيث يصبح همه الأكبر تحقق ما يريد، وإذا ما لم يوفق في ذلك بأسلوب سوي لجأ إلى الخداع.
ولذا فإنك تجد بعض الأشخاص إذا لم يحصل ما يريدون رضوا بالأمر أو حاولوا بطرقٍ سوية أخرى، ولو كان الخداع غريزياً لوجدنا في طبيعة كل البشر، ولما سمي حينها خداعاً.
ألا تتفق معي؟
ما ذكرته ينطبق على الخداع السلبي المتعمد المفضي إلى حصول أضرار غير إنسانية على المخدوعين و يخطط له بعناية فائقة أولئك المتخفون في الظلام لكي يسير وفق قواعد و ظروف لا يكونوا هم جزء منها بل يستغلون غباء شخصيات أخرى ذات سلطة و نفوذ لكي يستعملوها كدمى بشرية تنفذ مخططاتهم مقابل إغرائهم بالأموال و النساء و ما شابه ذلك .. أما الخداع الإيجابي يشبه أعمال الهاكرز الأخلاقيين ( White Hakers ) بمعنى أن تمنح الشركات مكافآت مالية لمن يستطيع أن يكتشف وجود ثغرات في أنظمتها و هناك هاكرز آخرون يقومون ببيع تلك الثغرات الأمنية لنفس الشركة بمبالغ مالية كبيرة .. فالمهم هو تجنب بيع الثغرات لشركات أو أطراف أخرى دون أخذ تصريح و إذن بذلك ..
لكن لا يوجد تعريف حقيقي لكلمة "فطرة" يمكننا الاستناد عليه والرجوع إلى مرجعية واحدة خاصة به. مثلًا هل الطمع ليس طبيعة بشرية لمجرد أنه لا يوجد في كل البشر؟
البشر ليسوا مثل بعضهم البعض بالكامل أبدًا. والأجدر أن كل ما هو موجود لفئة مناسبة من البشر هو طبيعي. خاصة أن الخداع من أهم أسباب البقاء على قيد الحياة فهو قد يقع أحيانًا تحت مبدأ غريزة البقاء
ووجود شيء مثل الأخلاقيات مثلًا هو ما يمكن الإنسان من ترويض تلك الغرائز التي تكون ضارة أحيانًا والتخلص من هذا الجانب المخادع بسبب ضرره على الإنسان والآخرين من حوله
الفطرة هي حالة أصيلة و رغبات متجذرة في نفوس جميع الناس و يولدون و هم مجبولون عليها بحيث لا تجد أي إنسان خالي منها .. سأذكر بعضها هنا :
النوم ، الطعام ، الشراب ، التنفس ، الحركة ، الأمن ، التواصل ، العلاقات ، التجريب ، التعلم ، فهم و إثبات الذات .. الخ
بالنسبة إلى الحاجة إلى الأخلاق و إلى النظام هي حاجة غريزية حتى عند الحيوانات غير العاقلة و لكن هناك من البشر من أثبتوا بالأدلة الواضحة أنهم يستطيعون أن ينحدروا إلى ما دون مستوى الحيوانات من حيث الهمجية و الفوضى و ندرة و انعدام الأخلاق .. أما بالنسبة للخداع فإذا كان في بعده الغريزي يعتبر أيضا من الفطرة التي تهدف إلى حماية الكائن الحي .. أما إذا كان المراد منه هو إلحاق الضرر المعنوي بالآخرين عن غفلة منهم فهو أسلوب غير أخلاقي لا يمكن تصنيفه حتى ضمن أخلاقيات الحيوان غير العاقل ..
( كما جرى في زمن قريب في أوطاننا العربية في سياق غفلة و تواطؤ و صمت شعبي حيث تم تسييس الأديان و تخليف و تشويه التعليم و تشنيع الواقع و تقبيحه عن طريق نشر الإشاعات و الأكاذيب و المغالطات و التضليل و الغش و السرقة و مساوئ الأخلاق .. و معظم الناس يقلدون و يتبعون بشكل أعمى بلا تمييز بين حق و لا باطل )
ولكنني أرى أن تعريف الفطرة بالنسبة لي هو "كل ما ليس مكتسباً".
بمعنى أن الشخص يولد مركبة فيه طباع لم يكن له حكم في تركيبها، ثم يكتسب من البيئة أموراً أخرى، وبالطبع ليس الخداع شيئاً يولد المرء به.
ما مدى صحة هذا التعبير من وجهة نظركِ؟
أعتقد أنه أقرب للصواب بشكل كبير لكن المشكلة هي أننا لا يمكننا الاتفاق على المكتسب بشكل كامل، بعض العلماء يرون الإنسان ورقة بيضاء منذ ولادته والبيئة تضيف له كل شيء، والبعض يرى أن الجينات هي المتحكم الرئيسي في كل قرار وكل فعل، والكثير لديهم آراء في المنتصف لكن لا يوجد نقطة واحدة يمكننا أن نقول فيها أن هذه هي تأثير البيئة الفعلي أو تأثير الجينات الفعلي
@Moaz_Ahmed وبالطبع ليس الخداع شيئاً يولد المرء به. ما مدى صحة هذا التعبير من وجهة نظركِ؟
التفسير لا ينظر إليه بهذه الطريقة أخي معاذ .. هناك شيء اسمه الاستعدادات الجينية بمعنى أن الإنسان لديه قابليات لكي يصبح مخادعا .. و الخداع هو نوع من الكذب و إذا جئنا إلى تعريفه فالمقصود به هو التلاعب قد يكون تلاعبا بالحقائق عن طريق تزييفها أو تلاعب بالكلام و إحداث تناقضات فيه أو تلاعب بالمشاعر عن طريق إحداث تناقضات فيه .. الخ ، و الخداع قد يكون واعي مقصود أو غير واعي .. و ليس كل من يظهر تلاعبات هو يقصد فعل ذلك بل قد يكون غير واعي بأنه يتلاعب .. لذلك أظن أنه يعتبر نوع من الحتميات التي يتصف بها الإنسان و غيره من الكائنات الحية .. و هو شيء كامن في الإستعدادات الوراثية و قد يظهر عندما تظهر محفزاته ..
@WINTEREX وإذاً كيف يمكنني أن أتجنب الوقوع في هذه الدائرة؟
أو أن أبقى ضمن إطارٍ غير ضار؟
التعليقات