قد تعتقد عزيزي القارئ بعد هذا العنوان أننا بصدد الحديث عن مجرمة من التاريخ تظهر للناس الوداعة وتبطن في داخلها أطنانا من الفظاعة، ولكن الحقيقة ليست كذلك، فالمجرمة هي الضحية وجسدها المجني عليه وهو كذلك الجاني.

إنها الذئبة الحمراء، مرض عضال لا دواء له ولا يرجي منه الشفاء، ولكن التعايش والتأقلم وقوة الإرادة قد يجهزوا عليها فيكبلوها بسلاسل من أمل لن يتبدد وعزيمة لا تنكسر.

ماهي حقيقة هذا المرض؟

إنها الخيانة، حيث ينقلب عليك سلاحك و يسدد فوهته الى قلبك وليس القلب فقط بل اغلب أجزاء جسدك، كالمفاصل والجلد والكليتين والدماغ والرئتين حتي الأوعية الدموية كذلك، والسلاح هنا هو الجهاز المناعي الذي تختل الشيفرة التعريفية بينه وبين جسدك، والتي كانت تمنعه من مهاجمة أنسجتك الخاصة، ليتحول داخلك الى ساحة حرب ضارية بين مناعتك وخلاياك.

فما السبب؟

في حقيقة الأمر، إن السبب الفعلي لهذا المرض ليس واضحا تمام الوضوح ولكن بعض أصابع الاتهام تتجه نحو عوامل وراثية، رغم أنه لم يوجد ارتباط وثيق بين إصابة أحد أفراد عائلتك بهذا المرض وحتمية اصابتك أنت به فقط تزيد الاحتمالية بمقدار طفيف حري به أن يهمل، أو قد تكون مؤثرات البيئة المحيطة أو حتي الهرمونات، ولا أحد يجزم.

إذا ماهي علامات هذا المرض وأعراضه وكيف يتصرف؟

إن هذا المرض اللعين يتخذ استراتيجية الكر والفر في معاركه حيث ينشط فجأة وتزداد أعراضه ثم يخفت لفترة قد تطول أو تقصر، لكنه في فترة نشاطه تظهر مجموعة من هذه الأعراض مثل العلامة المذكورة في عنوان المقال وهي احمرار الخدين و جزء من الأنف يصل بينهما لتتخذ الحمرة شكل الفراشة، ارتفاع حرارة الجسد، الطفح الجلدي، آلام العضلات والمفاصل، آلام الصدر، الإرهاق المستمر، تقرحات الفم، الأنيميا، مشاكل الذاكرة، تجلط الدم، إصابات العين، و فقدان الشعر الذي قد يتخذ أنماط متنوعة فقد يكون عبارة عن بقع عديمة الشعر أو قد يكون عاما لفروة الرأس كلها، وكذلك أحد أشهر الاعراض والتي قد تكون السبب في تنشيط المرض في فترة خموله ألا وهي الحساسية تجاه الضوء، ضوء الشمس. حقا، إنها حرب نكراء.

فمن هم الأكثر عرضة للاصابة بالذئبة الحمراء أو فيمن يشيع؟

لقد وجدت تلك الذئبة لها مرتعا في كل الأعمار حتي الأطفال لم يسلموا منها، لكنها تحبذ وبشكل خاص النساء، و زيادة في الخصوص، اللاتي لازلن في فترة الخصوبة، حيث تتراوح نسبة الإصابة بين النساء والرجال من 4 الى 12 امرأة مصابة في مقابل رجل واحد فقط مصاب بهذا المرض.

كيف السبيل الى تشخيص هذا المرض؟

إن هذا المرض كغيره من الأمراض تسري عليه القاعدة العامة في الطب ألا وهي (كلما أتيت مبكرا كلما كان أفضل) فالتشخيص المبكر لهذا المرض له أثر جيد في التقليل من مضاعفاته وتخفيف معاناة أصحابه، إذا فلا بد للمرء من أن يذهب للطبيب وقتما يشعر أن صحته ليست بخير وأبدا لايجب أن يتكاسل فحتما ستكون العواقب وخيمة إن فعل. والطبيب في تشخيصه يعتمد علي الاعراض والعلامات الظاهرة على مريضه وإن كان التشخيص في بداية المرض صعب ويعد تحديا أمام الطبيب لتشابه الأعراض مع كثير من الأمراض الاخري، لكن قول الفصل في هذا المرض يعود الى الطبيب المتخصص في الأمراض الروماتيزمية.

ما هي مسؤلية المريض تجاه نفسه؟

يقع جزء ليس بالقليل من مسؤلية ترويض هذا المرض على المريض نفسه، وهذه المسؤلية تتمثل في أن يحيا حياة صحية...

أجل، أن يحيا حياة صحية كأن يمارس الرياضة بالقدر الكافي والذي يسمح به الطبيب المعالج، يأكل الأطعمة الصحية المتوازنة ويبتعد كل البعد عن الأطعمة الضارة، يجنب نفسه التوتر وكل ما يقود اليه، الحصول علي القدر الكافي من النوم والراحة، تعود الابتعاد عن أشعة الشمس الضارة، زيارة الطبيب بانتظام، وتعلم كيفية الاحساس باقتراب حدوث العاصفة أو النوبة.

ولكن هل توجد عوامل تستحث حدوث النوبة؟

نعم، هناك بعض الأمور التي تستحث حدوث النوبة والتي قد يكتشفها المريض هن نفسه مع مرور الوقت، ولكن الأفضل له أن يعلمها في بداية مرضه فمن هذه العلامات ما هو شائع وموثق.

ومن هذه العلامات العمل الزائد عن الاستطاعة مع عدم الخصول علي القدر الكافي من الراحة، الإصابات، التعرض للامراض المعدية، التوتر، التعرض الزائد للأشعة الشمس، الانقطاع عن الأدوية العلاجية للذئبة الحمراء أو أخذ أدوية تستحث بذاتها نوبة المرض دون الرجوع الى الطبيب.

ويمكن للمريض أن يقول أنه على ميعاد يقترب مع نوبة قادمة إذا شعر بالتعب الشديد والغير معتاد، أو ارتفاع درجة حرارته، أو ظهور الطفح الجلدي، أو الاحساس بالصداع أو آلام المعدة المؤرقة، أو قد يكون الدوار كل هذه العلامات وغيرها تنذر باقتراب الضربة.

في حقيقة الأمر وفي الختام كذلك، إن التعايش مع الأمراض الزمنة مثل الذئبة الحمراء يعد تحديا لايستهان به، لكنها الحياة تضيف فصولا من الصعاب والتحديات الى كتب حياة بعض البشر، فمنهم من يضعف فتجهز عليه وتدمره، ومنهم من يرفض الاستسلام والرضوخ ويمسك بقبضته ذراع مطرقته ليهشم رؤوس صعابها و آلامها ليقف شامخا كالجبال، فانظر لأي الفريقين أنت منتم. (خفف الله عنهم أجمعين)