مع مرور الوقت في العمل الحر، بدأت أُدرك أن نجاح المشروع لا يعتمد فقط على فكرته أو حجمه أو حتى عائده المالي. في بداية تجربتي، كنت أتحمس لأي فرصة تبدو واعدة، وأظن أن المشروع الجيد كافٍ ليكون النجاح حليفنا. لكن الواقع كشف لي شيئًا مختلفًا تمامًا: العميل هو العنصر الفارق. عملت على مشاريع مميزة من حيث المحتوى، لكنها تحولت إلى تجربة مرهقة بسبب عميل غير واضح في متطلباته، أو يتسم بعدم التنظيم في التواصل، أو يطلب ما هو خارج نطاق المنطق. وفي المقابل، خضت تجارب بسيطة، لم تكن مغرية كثيرًا من حيث العائد، لكنها كانت مُرضية وناجحة لأن التعامل كان مع عميل متعاون وواضح. تعلّمت من هذه التجارب أن اختيار العميل لا يقل أهمية عن اختيار المشروع. بل في بعض الأحيان، يكون هو المحدد الحقيقي لما إذا كانت التجربة ستُضيف لي أم ستستنزفني. لكنني ما زلت أواجه تساؤلًا متكررًا: كيف نتعلم أن نختارهم بذكاء، ونحافظ على وقتنا ومجهودنا بدلًا من أن نُهدرهم في مشاريع غير مناسبة؟
العميل المناسب أهم من المشروع أحيانًا، فكيف تختار من تعمل معه بذكاء؟
بالفعل المشروع الممتاز ليس كافٍ إذا كان صاحب المشروع/العميل متطلب ومرهق ومستنزف لطاقتنا، العميل قد يكون هو الطرف الأساسي في معادلة العمل، قد يكون هو المعادلة بأكملها.
حتى في المحلات التجارية قد تجدين البائع يبيع لزبون بطيب خاطر ورضا ويتسامح ويتساهل معه في أي طلب، وزبون آخر يرفض حتى البيع له، والله قد سمعت أحد الباعة من كثرة مناكفة أحد الزبائن معه يصرخ بعلو صوته غاضباً " مش هبيع والله ما هبيعلك"
خدمة العملاء وأصول البيع تعارض سلوك البائع الذي يحلف بعدم البيع للعميل، حتى الأمثال الشعبية تؤيد أن من يعمل لعمل تجاري يجب أن يتحلى بالذكاء ودماثة الخلق.
قد عملت بنفسي في أكثر من صيدلية بأماكن متفرقة بعضها راق وبعضها شعبي، فأنا أعرف صعوبة التفاوص مع العملاء، لكن الخبرة وعلم البيع يفرضان التعامل باحترافية مع العملاء.
ونحن إن كنا مقدمي الخدمة بمكان، فنحن هم العملاء بباقي الأماكن، وبالتأكيد لن أرغب في الشراء من بائع يحلف على عملائه بعدم البيع لهم لو حدث ذلك أمامي.
صحيح، وهذا يُعيدنا إلى نقطة جوهرية: ليس المهم فقط أن نُدرك كيف يتعامل العميل، بل أن نُدرك نحن أيضًا مع من نشعر بالراحة. فقد يكون العميل مرهقًا لشخص ما، لكنه مناسب تمامًا لشخص آخر، والعكس صحيح. ما تعلّمته من التجربة أن أضع لنفسي مؤشرات واضحة منذ أول تواصل، كطريقة الحديث، ومدى المرونة، وهل يُقدّر الوقت أم لا. في الغالب، يكشف أول تواصل كثيرًا من الأمور إذا انتبهنا جيدًا.
لا أظن أننا نستطيع اختيار العملاء بأريحية، فلا تبدأ العلاقة فعلاً مع العميل إلا بعد بدء العمل على المشروع، لكنني أعترض على جزئية تصنيف العملاء ومحاولة الاختيار من بينهم، فطالما أن الإنسان يقدم خدمة فعليه تقبل كافة أنواع العملاء، وأن يقتني المهارة اللازمة للتفاهم معهم..
(هناك أصول متعارف عليها لعمليات البيع؛ ولا يعني كلامي أن نقبل بكل مشروع غير مناسب لنا من حيث السعر أو المهارات والوقت، أو وضوح التفاصيل).
فإذا كنا نحن مقدمي الخدمة في بعض الأوقات، فنكون نحن العملاء في أوقات أخرى، ولا أرغب في التوجه لمقدم خدمة يخضعني أولاً لاختبارات وفحص حتى يقرر إن كان يريد العمل معي أم لا.
أفهم وجهة نظرك، لكنني أرى أن الاختيار لا يعني بالضرورة الرفض المطلق أو التصنيف الحاد للعملاء، بل يعني أن نملك الوعي الكافي لتقييم مدى توافقنا مع العميل قبل الدخول في التزام قد يكون مرهقًا أو غير مناسب. المسألة ليست أننا نُخضع العملاء لاختبارات، بل أننا كمستقلين بحاجة إلى مساحات واضحة نحمي بها وقتنا وصحتنا النفسية، خاصة في بيئة عمل لا تحتوي على ضمانات طويلة الأمد. أحيانًا، يكشف أول تواصل عن مؤشرات مهمّة: طريقة الطلب، وضوح التوقعات، أو حتى أسلوب الحديث، وهذه أمور تُساعدنا في اتخاذ قرار مدروس. المرونة مطلوبة بالتأكيد، لكن ليست على حساب الاستنزاف المستمر. نحن لا نبحث عن عملاء مثاليين، بل عن بيئة عمل صحية تُساعد على الاستمرار لا الاستنزاف.
أتفق معك في أنه إذا كان العميل متعاونًا واضحًا فسيكون المشروع جيدًا وأكثر سهولة من حيث التواصل والتنفيذ والتعديلات _إن وجدت_، لكن المشكلة أننا لا نستطيع دائمًا معرفة شخصية العميل بوضوح قبل طلب المشروع، مع أنني أحاول الحصول على أكبر قدر ممكن من المعلومات والتفاصيل من خلال استفسارات الرسائل قبل طلب العميل للخدمة أو المشروع.
صحيح، كثيرًا ما يكون من الصعب الحكم على العميل بدقة قبل بدء المشروع، لكن كما ذكرتِ، مرحلة الرسائل تُمثل فرصة ذهبية لمحاولة الفهم والتقييم. شخصيًا، بدأت ألاحظ بعض المؤشرات التي أصبحت أعتمد عليها: مثل طريقة صياغة الرسائل، مدى وضوح الطلب، احترام الوقت، وحتى رده على الأسئلة هل يتعامل بهدوء ووضوح أم يُراوغ أو يتردد كثيرًا؟ ليست قاعدة حتمية بالطبع، لكن هذه التفاصيل الصغيرة كثيرًا ما تكشف لنا الكثير، وتساعد في اتخاذ قرار أقرب للصواب.
أنا أرى أن كل عميل يحمل معه فرصة لتعلم شيء جديد، حتى لو كانت التجربة صعبة أو معقدة بعض الشيء فليس هناك عميل سيئ بالمعنى المطلق، بل كل واحد منهم يضيف لنا دروسًا ثمينة سواء في الصبر أو التواصل، أو حتى في معرفة متى نضع حدودنا بذكاء، صحيح أن بعض العملاء قد يضغطون علينا أو يستهلكون طاقتنا، لكنني أؤمن أن كل تجربة معهم تزيد من نضجنا المهني والشخصي، وتساعدنا نصبح أذكى في اختيارنا القادم، باختصار لا أرى وقتي يُهدر مع أي عميل، بل هو استثمار في نفسي أولًا وأخيرًا.
صحيح، كل تجربة مررنا بها أضافت لنا شيئًا، سواء في مهارات التواصل أو إدارة الضغط أو حتى في وضوح الحدود المهنية. لكن بعد عدد من التجارب المتكررة، بدأنا ندرك أن هناك تكلفة لكل تجربة مرهقة، حتى وإن أضافت لنا درسًا. الفكرة ليست في رفض التعلم، بل في محاولة تقليص الخسائر قدر الإمكان، لأن النضج المهني لا يعني فقط استقبال الدروس، بل أيضًا تطوير آليات اختيار تمنعنا من الدخول في الدائرة نفسها مرارًا. باختصار، نريد أن نتعلم بذكاء، لا بثمن متكرر.
التعليقات