مررنا جميعًا بلحظات تردد أمام بعض المشاريع. أحيانًا يكون العرض مغريًا من حيث المقابل المادي، لكنه لا يناسب مجالنا، أو لا يعكس الصورة التي نريد بناؤها عن أنفسنا كمستقلين محترفين. وفي أحيان أخرى، نقبل مشروعًا بدافع القلق من الفراغ أو رغبة في كسب تجربة، ثم نكتشف لاحقًا أنه أضرّ أكثر مما أفاد. سواء بسبب سوء التنظيم، أو ضعف التواصل، أو لأنه ببساطة لا يُعبّر عن مستوانا الحقيقي. المشكلة أن مشروعًا واحدًا فقط قد يترك أثرًا في التقييم، أو يربك مسارنا المهني، ويجعلنا نبدو أقل احترافية مما نحن عليه. فكيف نُوازن بين الرغبة في كسب الفرص، وبين الحرص على بناء صورة مهنية قوية؟
مشروع واحد غير مناسب قد يؤثر على تقييمك، فكيف تختار ما يعزز صورتك المهنية؟
ربما نُبالغ أحيانًا في حرصنا على "الصورة المهنية المثالية"، وننسى أن التجربة العملية، بكل ما فيها من مطبّات، هي التي تصنع المستقل الحقيقي. مشروع سيئ؟ تقييم سلبي؟ هذا ليس نهاية العالم، بل جزء طبيعي من مسار مليء بالتجريب. لسنا علامات تجارية جامدة، بل بشر نتطور مع كل قرار، حتى تلك التي نكتشف لاحقًا أنها لم تكن موفقة.
القلق من مشروع لا يُعبّر عن مستوانا قد يمنعنا من خوض تجارب قد تفتح لنا أبوابًا غير متوقعة. حتى المشاريع المتعثرة تصقلنا – تعلمنا كيف نفاوض، كيف نرفض، كيف نعيد رسم حدودنا. الأهم ليس أن تكون كل خطواتنا مثالية، بل أن نملك الشجاعة لخوضها، والتواضع لتصحيحها إن لزم.
حديثك منطقي تمامًا من حيث أن التطور المهني لا يحدث دون المرور بتجارب متفاوتة، حتى وإن كانت غير موفقة أحيانًا. لكن الإشكالية التي أشرتُ إليها في المساهمة تتعلق بالأثر الذي قد يتركه مشروع واحد سلبي على التقييم العام، خصوصًا على منصات العمل الحر، حيث قد يتردد العميل المستقبلي في التعاون معنا بمجرد رؤيته لتقييم ضعيف، حتى وإن كنا قد استفدنا فعليًا من التجربة. ربما التحدي الحقيقي يكمن في كيفية اختيار المشاريع التي تمنحنا فرصة للتعلم، دون أن نُعرّض الصورة المهنية التي نبنيها للخطر، لا سيما في المراحل الأولى من رحلتنا المهنية. وهنا تكمن المشكلة: كيف نختار المشاريع التي تمنحنا خبرة وتطوّرنا فعلاً، دون أن نخاطر بصورة ما زلنا نحاول بناؤها، خاصة في بداياتنا؟
لعل الحل لا يكمن في تجنّب المخاطرة تمامًا، بل في إدارة المخاطرة بذكاء. أي أن نختار المشاريع التي فيها هامش خطأ مقبول، ونكون واضحين مع أنفسنا ومع العميل منذ البداية بشأن ما يمكن تقديمه وما لا يمكن. كذلك، لا بد من التحضير النفسي بأننا لن نستطيع تجنّب كل المفاجآت، لكن يمكننا أن نُحسن التعامل معها عند حدوثها.
أعتقد أن الحرص على التقييمات وبناء صورة مهنية قوية يكون مهم جدا في البداية، بحيث يستطيع المستقل أن يقف على أرض صلبة يستطيع التطور والنمو من خلالها، وفي تلك الفترة يجب ان يختار المشاريع التي يتأكد من قدرته على انجازها باحترافية عالية تضمن له تقييمات جيدة. لكن بعد تلك الفترة يمكنه التجربة ومحاولة عمل أشياء مختلفة ومتهورة في بعض الأحيان، وهذه الأشياء ضرورية لتطوير المسار المهني للمستقل
أتفق معك أن البداية تتطلب حرصًا كبيرًا على اختيار المشاريع التي تعزز التقييمات وتُظهر الاحترافية. لكن حتى بعد تجاوز هذه المرحلة، تظل الصورة المهنية أمرًا حساسًا، لأن مشروعًا واحدًا مكشوفًا أو مع جهة معروفة قد يُلقي بظلاله على مجهود سنوات، خاصة إذا لم يكن ناجحًا بالشكل المتوقع. أحيانًا لا تكون الخطورة في التجربة بحد ذاتها، بل في مدى ظهور نتائجها أمام الجمهور أو العملاء المستقبليين، وهذا ما يجعلنا نُفكّر مرتين قبل قبول بعض العروض، حتى لو كنا في مرحلة نملك فيها بعض الثبات المهني.
التعليقات