شاهدت عن قرب كيف يمكن أن تتحول المنافسة إلى فرصة للنمو عندما نختار التعاون بدلًا من الصراع، في أحد المشاريع التي تابعتها قرر مجموعة من المستقلين الذين يعملون في نفس المجال أن يوحدوا جهودهم بدلًا من التنافس، فتشاركوا الخبرات ووزعوا المهام حسب نقاط القوة، وخرجوا بنتيجة أقوى من أي عمل فردي كان ممكنًا، وما أعجبني أن كل واحد منهم احتفظ بهويته المهنية، ومع ذلك استفاد من الآخر دون أن يشعر أنه خسر شيئًا، فأحيانًا يكون أقوى تحرّك مهني هو أن تمد يدك لمنافسك. برأيكم هل يمكننا أن نثق بمنافسينا ونعمل معهم لتحقيق نجاح مشترك؟
العمل مع المنافسين لتحقيق النجاح، هل تؤيد؟
أعتقد أن هذا النوع من التعاون هو بالفعل المفتاح لتحقيق نمو حقيقي ومستدام في بيئة العمل.التنافس يمكن أن يكون دافعا قويا للتطور، لكن التعاون مع المنافسين قد يفتح آفاقا أوسع بكثير.
في النهاية، الحياة المهنية ليست سباقا فرديا، بل هي فرصة لبناء شبكة من الخبرات والقدرات التي يمكن أن تساهم في نجاح الجميع. وعندما نتعاون بدلا من أن نتنافس بطريقة ضارة، يمكننا أن نحقق نجاحا أكبر وأكثر استدامة.
لكن ألا تعتقد أن فكرة التعاون مع المنافسين قد تبدو أحياناً مثالية أكثر من كونها واقعية؟ في كثير من الأحيان، تتضارب المصالح بشكل يصعب معه تحقيق تعاون حقيقي دون أن يُستغل أحد الأطراف أو يُفرط في خصوصية عمله، صحيح أن التعاون قد يؤدي إلى نتائج إيجابية، لكن لا يمكن تجاهل أن بيئة الأعمال قائمة على معادلة معقدة من الثقة والحذر، والتوازن بين المشاركة والحفاظ على الميزة التنافسية ليس سهلاً دائماً، كيف يمكننا تحقيقه؟
التعاون يمكن أن يكون مفيدا في بعض الأحيان، إذا تم تحديد الحدود بوضوح وصياغة اتفاقيات تضمن حماية مصالح كل طرف.
لتحقيق هذا التوازن، يجب أن يكون هناك مستوى عالي من الشفافية والتفاهم بين الأطراف، بالإضافة إلى وضع استراتيجيات واضحة للحفاظ على الملكية الفكرية والمعلومات الحساسة. من خلال ذلك، يمكن للمنافسين التعاون لتحقيق أهداف مشتركة دون التأثير على ميزاتهم التنافسية.
برأيكم هل يمكننا أن نثق بمنافسينا ونعمل معهم لتحقيق نجاح مشترك؟
لقد أجبت عن هذا السؤال في مساهمة سابقة لي بشكل غير مباشر:
من وجهة نظري يمكن للمنافسين العمل سويا إذا كانوا يتكاملون ولا يتنافسون مثل أبل وسامسونج في مجال الهواتف، لكن لو كانوا يتنافسون بالمثيل فربما يتشاركون في حالتين إما أنّ الطلب كبير وهم يريدون السيطرة عليه والاستحواذ على هذه الفرصة، أو أن هناك منافس أكبر سيدخل السوق ولذلك يرغبون في التكتل لمواجهته. لكن فكرة المنافسة التي تتحول لشراكة بريءة فهذا مستحيل لأنه لو كان هذا لاشترى أحدهم الآخر كما فعلت أوبر مع كريم عندما باعها مدّثر ب3 ونصف مليار دولار.
في أحد المشاريع التي تابعتها قرر مجموعة من المستقلين الذين يعملون في نفس المجال أن يوحدوا جهودهم
أما بالنسبة لهذا المثال الذي طرحتيه فربما كان المشروع كبيرا وجميعهم يريد أن يدخل في هذه الفرصة ولو كان لكل واحد منهم فريقه الذي يكتفي به ذاتيا لقام بأكل التورتا وحده.
نظرتك واقعية جدًا، لكن ألا يمكننا أن نقول إنه حتى في ظل هذه المصالح المتشابكة، يمكن للتعاون أن يكون خطوة ذكية إذا تم بحكمة ووعي؟ أحيانًا الشراكات المؤقتة أو التنسيقات المرحلية قد تخلق فرصًا لا يمكن لطرف واحد أن يحققها بمفرده، حتى وإن كان التعاون بين منافسين مباشرين محفوفًا بالمخاطر، فالفكرة ليست في كون الشراكة بريئة أم لا، بل في إدارتها بذكاء لتخدم مصلحة الطرفين دون أن يفقد أي منهما موقعه أو أسراره.
ما ذكرتيه يُجسد المعنى العميق للمنافسة الناضجة—حين تتحول من صراع إلى مساحة للتكامل والنمو. لافت أيضًا كيف استطاع كل فرد الحفاظ على هويته المهنية رغم اندماجه ضمن فريق، وهذا يطرح تساؤل مهم:
هل التعاون بين المستقلين ممكن دومًا، أم يحتاج إلى مستوى معين من النضج المهني والثقة بالنفس حتى لا يشعر أحد بأنه "يتنازل" أو "يذوب" في الآخر؟
التعاون بين المستقلين ليس مسألة مهارات فقط، بل مسألة وعى ونضج مهنى. فحتى ينجح هذا النوع من الشراكة، لا بد أن يكون كل فرد قد تصالح مع ذاته المهنية أولًا يعرف قدراته وحدوده، ويثق فى قيمة ما يقدمه. كما تشير دراسات في Organizational Behavior and Human Decision Processes إن الأفراد ذوى الهوية المهنية المستقرة أكثر قدرة على بناء شراكات ناجحة لأنهم لا يرون فى التعاون تهديدًا، بل فرصة للتعلم والتوسع. وأتفق معك أن التعاون يحتاج إلى ثقة بالنفس ووضوح في الأدوار والتوقعات حتى لا يتحول إلى صراع خفى أو إحساس بالتنازل. من لا يشعر بأمانه المهنى قد يُفسر أى شراكة على أنها تهديد، في حين أن أصحاب البصيرة المهنية يرون في كل تعاون فرصة لصقل مهاراتهم وتوسيع تأثيرهم.
تجربتك مع المستقلين الذين قرروا توحيد جهودهم هي مثال ممتاز على هذا التحول، حيث يثبت أنه يمكننا أن نتعاون مع من نعتبرهم منافسين، بل وتوظيف مهاراتهم لصالح مشروع مشترك. فعندما يشترك الأفراد في تبادل الخبرات وتوزيع المهام بناءً على نقاط قوتهم، يُخلق جو من الابتكار الجماعي الذي يتفوق على العمل الفردي. وهذا يذكرني بمساهمة سابقة لي ناقشت فيها كيفية أن النجاح المهني اليوم لا يعتمد فقط على الجهود الفردية، بل على القدرة على العمل مع الآخرين، حتى لو كانوا في البداية منافسين. وقد أظهرت هذه التجارب أن التكامل بين القدرات يمكن أن يولّد قيمة أكبر من العمل المنفرد.
أما بالنسبة لسؤالك، نعم، يمكننا أن نثق بمنافسينا إذا كانت نية التعاون واضحة. التنافس يمكن أن يتحول إلى فرصة مشتركة عندما يكون لدينا ثقافة احترام وتقدير للعمل الجماعي، ويجب أن نؤمن أن العمل معًا لا يعني أننا نخسر شيئًا، بل أننا نحقق نجاحًا أكبر.
لا أرى ذلك سهل التطبيق وقابل لأن يعطي نتائج إيجابية دائماً بل أرى نجاحه حالة شاذة، اليوم لغة الأنا تتحدث والانجازات الفردية تتحكم لذلك من الصعب أن يحدث تعاون حقيقي وخصوصاً لو كان مع منافسين على حد وصفك.
أشعر أن ذلك قد لا ينجح إلا لو كان الفريق بالكامل سوي وواثق من نفسه ومدرك لما حققه من نجاح، أما لو هناك عنصر واحد أناني أو عنده خلل فستفسد هذه العملية بالكامل، أنا لست ضد الأمر ولكن مقتنع أن تطبيقه والخروج بنتائج جيدة منه أمر ليس بالسهل.
التعليقات