برزت ومن بعد الحرب العالمية الثانية العديد من المصطلحات الإقتصادية للتعبير عن العالم الإقتصادى الجديد ، ومنها مصطلح التنمية و مصطلح التخلف ، وبالطبع هذه المصطلحات انطوت على تعديلات و تغييرات هيكلية تمت فى الولايات المتحدة الأمريكية على ارض الواقع باعتبارها المستغل الأول للعالم كله فيما بعد الحرب ، لكنها ومع تنامى أزمة الكساد الكبير العالمية آنذاك تغيرت على إثرها العديد من القواعد الإقتصادية الهامة و المساهمة فى بناء نظريات آدم سميث و المنسوب إليه النسق العام للإقتصاد العالمى الجديد بعد الحرب العالمية الثانية ، ومن أهم هذه القواعد التى تغيرت فى نظرية السوق الحر ، أنه لا يمكن للسوق أن يستمر دون تدخل و توجيه من الدولة فى مراحل الأزمات و مراحل التنمية البكر ، لأنه وعند مراحل معينة من الأزمات لا يمكن للسوق أن يوازن نفسه تلقائيا بمجرد توافر المصالح الخاصة لدى أطراف عمليات التبادل داخل إقتصاد ما ، وهو ما حدث على أرض الواقع فى حل أزمة الكساد الكبير ، إذ سعت الحكومة الأمريكية جاهدة لرفع الطلب الكلى داخل السوق لتقليل نسب الركود لتحل نظرية كينز المعادلة الناقصة فى نظرية آدم سميث ، وتدخل الدولة القوى حتى فى الأزمة العالمية فى عام 2008 ، وهنا يتطابق حال أى سوق لأى دولة فى حالتين : الأولى : محاولات التنمية الشاملة لا تتم بدون رأس مال قومى وهذا ما أثبته التاريخ الحديث ، والحالة الثانية : حالة الأزمة الحادة التى تمنع السوق الحر من التوازن ، وبالتالى لا يمكن للسوق أن يعيد توازنه مرة أخرى إلا من خلال تدخل الدولة لمعالجة الأزمة بعيدا عن القطاع الخاص .

و الباحث فى إطار التنمية الإقتصادية بمصطلحاتها سواء شاملة أو مستدامة أو متكاملة أو متخصصة ؛ فإنه سيفاجئ أن كافة المؤسسات الدولية العاملة فى الحقل الإقتصادى عامة ، أنها مؤسسات مخادعة من الدرجة الأولى لكونها تحاول زعم سياسات تنمية إقتصادية تخالف ما تم فى البلاد المتقدمة لتكون متقدمة إقتصاديا ؛ فتجد مثلا البنك الدولى للإنشاء و التعمير ،كما فى تقرير صدر له فى أبريل عام 2014 عن دول ثورات الربيع العربى وتوصياته لها ، وشأنه شأن كافة تقاريره يحث الدول المتخلفة أو دول العالم الثالث على تخفيض الحكومة لإنفاقاتها عموما و سحب يدها و مشروعاتها كدولة من السوق وفرض المزيد من الضرائب ، وهو ما يعنى تخفيض عدد موظفين الحكومة وتحصيل الضرائب بصورة مبالغ فيها على كل شئ فى الدولة ، والدولة مدينة للبنوك محليا و دوليا ، وهو ما يعنى سحب السيولة داخل الدولة لصالح البنوك المحلية التى تحقق مكاسبها من تسليف الدولة قروض قصيرة الأجل تتراوح من 9 أشهر إلى سنة لكنها لا تستثمر على أرض الواقع إلا بالنذر القليل جدا ، وسحب الدولارات التى تحصلت عليها الدولة لصالح المؤسسات العالمية الدائنة لها ؛ ليبقى سوق الدولة فارغا من أى توجيه عام ، وهنا و مثلما حدث فى العديد من دول أمريكا اللاتينية ستدخل شرائح عديدة غير محمية بأى وسائل ضمان إجتماعى تحت بند الفقر اكثر و أكثر ، و العديد من السياسات التى اتخذت لتقليل الإنفاق الحكومى ستؤدى و بالضرورة إلى خفض اهتمام الدولة وضمانها للسلع الغذائية الأساسية على سبيل المثال وهو ما يزيد من فقر العديد من المواطنين ، و ضع فى الحسبان أن دول العالم الثالث من الأساس مليئة بالمحرومين من خير الدنيا تحت ما يسمى خط الفقر ، أضف إلى ذلك تفتيت الرأسمال القومى وهو ما يمثل صناعات الدولة ، و الملفت فى الأمر هنا أنه لا يتم خصخصة هذه الصناعات فعليا بل يتم حرقها تماما وإن سميت كذبا خصخصة (راجع أحكام مجلس الدولة المصرى فى هذا الشأن بعد ثورة يناير 2011 ) ، وكذلك ما حدث من انفتاح اقتصادى فى مصر فى عهد السادات وأدى إلى إنهيار القطاع العام المصرى وهجرة أفضل العمالة إلى الخارج .

ولذلك ستجد أنه على مدار أكثر من ستين عاما لهذه التنميات المزعومة لم ينهض سوى عدد قليل من الدول وبوسائل و طرق تختلف عن التنميات المزعومة من البنك الدولى وصندوق النقد وغيرهم من كهنة العالم الرأسمالى الحالى

إذا وبمفهوم المخالفة لبعض ما سبق ؛ فإنه يمكن تصور السبل المتاحة أمام الدول الناشئة لتنهض و تتخذ موقفا أفضل فى عملية التبادل الإقتصادى العالمى ، ولعدم الإطالة سنذكر بعضا من السبل التى انتهجتها الدول التى نمت فعلا :

الصين فى السبعينات و الثمانينات و التسعينات وما قبلها كانت منغلقة و بعيدة عن خطط التنمية المزعومة هذه ، وكونت خلال هذه الفترة رأسمال قومى للحاجات الاقتصادية الأساسية للدولة ، وكانت دولتهم مغلقة عليهم لا يسمحون بمرور العديد من السلع إليها وأكثرها استيرادا كانت الآلات و المعدات والمواد الخام اللازمة لإقامة صناعتها ، حيث يقومون تدريجيا بصنع أغلب ما ينقصهم بتكلفة عالية أولا ، لأن صناعاتهم المحلية كانت فى المهد ولم تتطور لتنافس الصناعات العالمية ، وحاولوا تكوين صناعات محلية فى مجالات متعددة سواء تنتمى للدولة أو للقطاع الخاص المحلى ، و منذ آواخر السبعينات وهم يفتحون بلادهم للإستثمار الأجنبى ليستفيد من العمالة الرخيصة ويدربهم ، ولكن بشروط تستفيد منها الدولة المستضيفة ولا تؤثر على صناعتها الأساسية ، وبناء مراكز أبحاث علمية والإنفاق الضخم عليها تدريجيا ، و كانت الضرائب مرتفعة من أجل بناء رأسمال قومى ، وتم ذلك بالفعل مع الوقت ، وعند مستوى معين من حجم التشغيل بدأت الصين فى عملية الخصخصة و بشروط لتسلم القطاع الخاص سوقا قوية جدا ، وفى ديسمبر عام 2001 وقعت الصين على اتفاقية الجات لتدخل عالم التبادل على المستوى الاقتصادى كشريك قابل لتطوير و زيادة نفوذه فى هذا المجال ، وهو ما يعنى تخلى الصين عن العديد من سياساتها الاقتصادية الحمائية بتوقيعها على الجات ، وهو تخلى أتى فى الوقت المناسب ، وقد عملوا لهذه اللحظة كثيرا ، وهو ما يؤكد كذب سبل التنمية المزعومة من قبل المؤسسات الدولية الاقتصادية الكبرى فى العالم ؛ فشركاتهم العابرة للقوميت التى تقرر مصير العالم اليوم لم تنشئ بتوصياتهم المزعومة ولا من خلال روشتة صندوق النقد الدولى التى لا تمت لعلم الاقتصاد بصلة .

فما رأيكم فيما يمكن اتخاذه من خطوات تمكن الدول المتخلفة أو النامية أو الأقل نموا من خوض تعديلات جوهرية و هيكلية شاملة للتنمية الاقتصادية ؟؟؟؟؟؟ ، وهل يمكن حدوث مثل هذه التنمية على استقلال فى ظل أزمات سياسية كبرى تنبئ بعدم توزيع الموارد الاقتصادية و عدم توزيع السلطة بالشكل العادل ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟