كبداية، لازلت أهاب المرتفعات، لم أتخلص من الرهاب بالكامل، لكنني أكثر قدرة للتعامل مع الأمر الآن مما سبق، في وقت ليس بالبعيد لم أكن قادراً حتى على الوقوف على شرفة منزل في الطابق الثالث أو الرابع... سابقاً كان الأمر أسوأ جداً، شرفة الطابق المنزل الأول كانت ترعبني جداً.

لمن لا يعرف الفرق بين رهاب المرتفعات "الفطري" المنطقي، والرهاب المرضي، هذا وصف بسيط لما يحدث عندما أقف مثلاً على حافة شرفة "ليس الحافة حرفياً، وانما اي مكان يمكنني منه رؤية المسافة للأسفل.

في البداية تبدأ الدماء تتدفق بشكل مجنون في الجسد، الأطراف تبدأ بالشحوب، شعور شبيه جداً بشعورك عندما تدخل في عراك مع شخص تعلم أنه أقوى منك، او عندما تركض من حيوان مفترس "اتمنى أن لا يكون أحد قد عاش أحد هذين الشعورين حقاً" او عندما تغضب لدرجة تبدأ اطرافك بالارتجاف ويبدأ وجهك بالشحوب... استطعت التخلص من هذا الشعور المقرف بعد الكثير من المحاولات، سأتحدث عن كل شيء قمت به على مدى السنوات وكيف انتقلت من مرحلة لأخرى بعد قليل

بعد فترة قصيرة تقنع نفسك أن الأمر ليس بهذا السوء، وأن حياتك ليست في خطر قاتل وتعود ضربات قلبك للحالة الطبيعية، وهنا تبدأ المرحلة الأكثر سخافة، التفكير بالسيناريوهات اللانهائية التي من الممكن أن يسوء فيها الأمر... الأمر سهل حقاً -الخروج بسيناريوهات تتنهي بقتلك وأنت تقف على حافة الشرفة- ولكن الخوف من المرتفعات يضيف لها نكهة ظريفة بأنك تفكير بالكثير من الأشياء في ان واحد.

النهاية تكون عندما تبدأ بتمالك نفسك، غالباً يكون الأوان قد فات وكنت قد انسحبت من طرف الشرفة او وقعت على ركبك من التوتر والقلق.

الخوف من المرتفعات امر منطقي، رهاب المرتفعات هو مرض حقيقي قد يحرمك الكثير من المتع في هذه الحياة


أكثر شيء أكرهه حالياً في شخصيتي هو رهاب المرتفعات هذا، هناك حرفياً الاف الاماكن التي ارغب بزيارتها والتي لا يمكنني الاستمتاع تماما بها بسبب الرهاب، مع ذلك أخذت عهدا منذ بضعة سنوات انني لن ادع الرهاب يقف بيني وبين شيء أرغب بفعله مطلقاً.

المرحلة الأولى كانت سهلة التخطي (التنفس السريع وتدفق الدم) تمارين التنفس البطيء مفيدة جداً في هذه الحالة... الاهم من هذه التمارين هي تنفيذها فعلا عندما تخاف وليس عندما تكون مسترخياً في سريرك... وهذا تطلب مني القيام بالعديد من الاشياء التي اعتبرها جنوناً شخصياً.

بداية الأمر كان صعودي الى طوابق مرتفعة نسبيا بالنسبة لي "الطابق الثالث والرابع" في منزلنا سابقاً، والوقوف بشكل متكرر على الشرفة والنظر الى الاسفل متعمداً، الى ان اعتدت الامر، واصبحت اتحكم بتنفسي جيداً.

التجربة الأكثر رعباً كانت وقوفي قريبا من الحافة أثناء بناء الطابق الرابع في منزلنا، اتذكر ابتعادي عن الحافة مسافة نصف متر تقريبا وتمسكي بقضبان الحديد المتصلة بالارض، ومن ثم عودتي مسرعا الى الطابق السفلي.

لم اتوقف عن التجربة في اي فرصة تتاح لي، صعدت الى مكان مرتفع جدا في دمشق يدعى جبل الاربعين "في قمته تقريباً مسجد، الطريق الى هذا المسجد مرعب بشكل لا يوصف" استطعت تمالك نفسي في اغلب الوقت الى القمة، الى ان وصلت لباب المسجد وجلست هناك لما يقارب الربع ساعة.

في فترة لاحقة عملت في الانشاءات وصعدت الى الطابق السابع تقريبا في بناء قيد الانشاء "لا يوجد أسوار حول السلالم، يمكنك تخيل الرعب يتزايد مع كل طابق كنت اصعده، السيناريوهات التافهة التي كانت تتكرر بكل خطوة"

لاحقاً خرجت من سوريا، بالطائرة، على عكس التوقع كانت تجربة ممتعة لدرجة لا توصف، في أغلب الوقت، الى ان جائت اللحظة التي سمعت فيها المحرك "يإن" ونحن على ارتفاع عشرين الف قدم ربما، وهنا بدأت نوبة السيناريوهات تعود.

هنا في تركيا لم أتوقف عن المحاولة، صعدت الى ابنية مرتفعة، وايضا منذ فترة قريبة جربت هذا

الامر مرعب كما يبدو (هناك فيديو صورته من الكرسي الذي جلست به وحدي يمكنك منه رؤية الجنون )

التصوير في الفيديو سيء بسبب درجة الحرارة المنخفضة جدا التي لم تسمح لي برفع يدي كثيراً

يمكنني القول أن افضل تجربة في المرتفعات بالنسبة لي كانت في هذا التلفريك المكشوف، كبداية لم يتدفق الدم بجنون "ربما درجات الحرارة كان لها دور في هذا" وأيضاً الأفكار السيئة لم تستمر لفترة طويلة... أقنعت نفسي باستمرار انني ان وقعت سأقع على الثلج الطري :") ولن اتحطم مطلقاً... أيضاً التفكير بأن الأمر آمن تماماً احصائياً أفادني جداً.


من تجربة، التخلص من شعور التوتر والقلق يحتاج الكثير من التدريب والتنفس البطيء والمحاولات، لكنه الاسهل مقارنة بالأفكار السلبية التي تتدفق في الرأس حين الخوف... هذه الأفكار من الصعب التغلب على الرغبة بالتفكير فيها.

  • الأفكار السلبية لا تتحسن مطلقاً ان كنت مع شخص تحبه، ان كان وجود شخص تحبه معك في مكان مرتفع يفعل شيئا ما، فهو حتما يزيد الامور سوءاً، خصيصا ان كان هو بذاته لا يهاب المرتفعات ويقوم "بحركات خطيرة" امامك.

  • لم اتخلص من الافكار السلبية الى الان، كل ما استطعت فعله هو تقليل فترة التفكير فيها، ولا اسلوب محدد لفعل ذلك بالنسبة لي، احيانا احاول استبدال الافكار السيئة بافكار جيدة اخرى، احيانا اسخر من نفسي، واحيانا اركز في صوت الموسيقى او الاغاني الذي استمع له... احياناً افكر في الاحصائيات وان الامر امن ولا سوء من الممكن ان يحصل.

  • اذا لم تواجه الخوف لا يمكنك ان تتخلص منه، بقيت لفترة طويلة افكر "لن اعيش في مكان مرتفع، منزلي في الطابق الارضي" الى ان اضطررت لترك المنزل والعيش في منزل من عدة طوابق، ركوب الطائرة، وركوب سيارة تسير على طريق جبلي ينحدر نحو البحر مباشرة.

  • لا يمكنك التخلص من الخوف من المرتفعات تماماً، وليس عليك فعل ذلك، الامر منطقي وفطري ومن الغباء عدم الخوف من المرتفعات مطلقاً، لكن عليك التخلص من الخوف المرضي فقط.


في النهاية، الامر يعتمد بشكل كبير على دفع نفسك الى الحافة "حرفيا" دون ان تخاطر بنفسك فعلياً، تكرار المواقف سيجعلك تعتاد اليها حتما.

هل لديك تجربة مشابهة مع الخوف من المرتفعات؟ كيف تشعر عندما تقف على الحافة؟ كيف تخطيت الامر؟