في يوم آخر من أيام الإحصاء، جاءت هذه الحكاية من تجربة صديقي، الذي كان يعمل في منطقة مجاورة لمنطقتي. أثناء عمله، وصل إلى بناية كانت تضم أسرة ستصبح محور قصتنا. كان قد زارهم عدة مرات، وفي كل مرة يطرق بابهم، لا يجد استجابة.

في زيارته الأخيرة، خرج إليه رب الأسرة أخيرًا. بادره صديقي بالتعريف بنفسه قائلاً إنه باحث الإحصاء المكلف بهذه المنطقة، وإنه طرق بابهم عدة مرات دون إجابة. لكن رد الرجل ببرود، وقد بدت على وجهه علامات التحدي: "لن أجيبك إلا إذا تم إحصائي بالأمازيغية. أنا أمازيغي، ودستور المملكة يمنحني هذا الحق." كان الأمر غريبًا ومثيرًا للاستغراب، لكن صديقي تقبل الموقف بابتسامة، وقال له إنه سيبلغ المراقب المسؤول ليبحث عن شخص يتحدث الأمازيغية. ربما شعر الرجل وقتها أنه تفادى الموقف بحجة لن يستطيع أحد دحضها.

في عشية اليوم نفسه، كنا نحن، أربعة باحثين، نجتمع مع المراقب لتسليمه ما جمعناه من بيانات ومناقشة أي عراقيل واجهناها. عندما حكى صديقي قصته مع هذا الرجل، شعرت بنوع من الفضول والتحدي. ابتسمت وقلت: "لا تقلق، سأذهب معك. أنا أتكلم الأمازيغية وسنقوم بإحصائه غدًا."

ضحك المراقب وقال مازحًا: "أوه، اويس نتمازيغت هههه ... ايساوال تشلحيت !"

في صباح اليوم التالي، بدأ كل منا عمله كالمعتاد، يتنقل بين المنازل ويطرق الأبواب. وعندما حان وقت اللقاء المتفق عليه، اتصلت بصديقي: "وا شريف، فينك؟ يالله نمشيو عند السيد." التقينا وسرنا معًا إلى البناية.

طرقنا الباب، ففتحت لنا امرأة تقيم في الطابق العلوي. كانت هي الأخرى غائبة عن المنطقة في زيارات صديقي السابقة ولم تُحصَ بعد. انتهز صديقي الفرصة وقام بإحصائها، بينما كنا ننتظر رب الأسرة. لكن الانتظار طال.

طلب صديقي من المرأة أن تطرق بابه لتخبره بوجودنا؛ لم تمر لحظات حتى انطلق صوته غاضبًا، متهمًا المرأة بأنها تجاوزت حدودها بإدخالنا إلى داخل الدرج. "كان يجب أن يبقوا على عتبة الباب!" صرخ. لكنها، بشجاعة هادئة، ردت عليه: "أنا أيضًا أملك جزءًا من هذه البناية، والشمس حارقة في الخارج. لدي الحق في أن أتصرف كما أريد."

نزل الرجل أخيرًا، لكن ملامح التوتر كانت واضحة عليه. لم يكن مرحبًا بوجودنا. قال له صديقي بلطف: "هذا زميلي. سيتحدث معك ويستجوبك، ولن يستغرق الأمر أكثر من خمس دقائق."

لكن بدلاً من أن يعطينا المعلومات ببساطة، بدأ يتحدث عن أمور لا علاقة لها بالإحصاء، منتقدًا العمل نفسه وكأنه في جدال سياسي. لم أتمكن من كبح صبري أكثر. نظرت إليه وقلت بحزم: "هل تريد أن يتم إحصاؤك أم لا؟"

قال: "أريد، لكن باللغة الأمازيغية."

فأجبته: "ألم نتحدث الآن بالأمازيغية؟ أنت من جنوب المغرب، ومن لهجتك أرى أننا نتحدث نفس اللهجة. إذًا، دعنا نكمل عملنا ونوفر الوقت للجميع."

بدا عليه التردد، لكنه أخيرًا بدأ يعطينا المعلومات. كان الأمر يبدو كأنه اختبار صبر أكثر من كونه استجوابًا. البيانات تأتي منه ببطء، وأحيانًا يقول إنه لا يعرف الإجابة. لحسن الحظ، نظام "الطابليت" الخاص بالإحصاء مجهز باختيارات تجعل العملية أكثر سهولة. ومع ذلك، استغرقت العملية التي من المفترض أن تنتهي في خمس دقائق، نصف ساعة كاملة.

عندما انتهينا من المهمة، شعرنا بإرهاق يغلفه شيء من الارتياح. كأننا أنهينا جولة طويلة من حوار صامت بين صبرنا وعناد الرجل. توجهنا إلى المراقب الذي كان ينتظرنا قريبًا، حكينا له التفاصيل وهو يستمع مبتسمًا. قال لنا بعد أن أنهى ضحكته: "هذا النوع من الناس موجود في كل مكان. يظنون أن عرقلتهم تجعلهم أذكى أو أقوى، لكنهم في الحقيقة يعقدون حياتهم وحياة الآخرين بلا داعٍ."

في طريق العودة، انعكس المشهد في ذهني مثل شريط فيلم. أدركت أن العمل الميداني لم يكن مجرد جمع بيانات أو أرقام تُدون في جداول. بل كان نافذة تطل على تعقيدات البشر، على اختلافاتهم وتفردهم. هناك من يُسهّل عملك بابتسامة، وهناك من يجعلك تحفر في صبرك لتستخرج منه قوة إضافية.

لكن الأهم من كل ذلك، أن كل تجربة تضيف إلى مخزونك الإنساني. تعلمك أن التعامل مع الناس يتطلب أكثر من معرفة أو لغة مشتركة. إنه تمرين دائم على الإصغاء، التفاهم، والحفاظ على هدوءك حتى في أصعب اللحظات.

"الإحصاء الوطني" قد يبدو مهمة تقنية، لكنه في عمقه مغامرة إنسانية. كل باب طرقناه أخفى وراءه قصة، وكل إجابة حصلنا عليها كانت انعكاسًا لجانب من المجتمع. ربما كان ذلك الرجل معقدًا في تعامله، لكن في النهاية، علمنا درسًا إضافيًا: أن الصبر ليس مجرد فضيلة، بل هو المفتاح لفهم الآخرين والعمل معهم مهما بدوا مختلفين أو صعبي المراس.