وداع الوطن... لحظة لا تُنسى

من بين أغرب الأحاسيس التي يمرّ بها الإنسان، ذلك الشعور الذي يغمره في اليوم الأخير من وجوده في وطنه...

اليوم الذي يتهيّأ فيه ليغادر إلى أرضٍ جديدة، بثقافات مختلفة، ووجوهٍ لا يعرفها، وأماكن لم تطأها قدماه من قبل.

إنه اليوم الذي يودّع فيه وطنه ،أرضه التي كبر عليها، مدينته التي حفظت خطاه، عائلته التي تحتضن قلبه، أصدقاءه، أحبّاءه، وكل الذكريات التي نسجت ملامح حياته.

في تلك اللحظات، يتذكّر كل زاويةٍ عرفها، وكل وجهٍ رآه، وكل إحساسٍ عاشه، وكأن الزمن يمرّ أمامه في مشهدٍ واحدٍ طويلٍ مؤلمٍ وجميلٍ في آنٍ واحد.

وأنت في المطار، أمامك مستقبل مجهول لكنه يبدو مشرقًا، تملؤه الأحلام والآمال...

ومع ذلك، حنينك إلى وطنك يشدّك بقوةٍ لا تُقاوَم.

تتمنّى لو أنّ بإمكانك أن تشتري يومًا واحدًا إضافيًّا في بلدك، لتعيش فيه تفاصيلك الصغيرة: نومك في سريرك، تجوّلك في حيّك، ضحكتك مع أصدقائك، حديثك مع جيرانك، مرورك على الأماكن التي أحببتها.

حتى أولئك الذين لم يكن لهم أثرٌ كبيرٌ في حياتك، تراهم في تلك اللحظة أغلى من الذهب، فقط لأنهم جزء من وطنك.

نعم، إنها قوّة الانتماء.

فالأرض التي وُلدت فيها لا يمكن أن تكون رخيصة على قلبك، مهما حاول البعض إقناعك بالعكس.

ولو لم يكن للوطن مكانةٌ في القلب، لما بكى رسول الله ﷺ حين غادر مكة، وقال:

> «والله إنك لأحبّ بلاد الله إليّ، ولولا أن أهلك أخرجوني منك ما خرجت».

حتى أولئك الذين يدركون قيمة الوطن، لا ينجون من الم فراقه، لأننا جميعًا نسعى للنجاة، ولعيش حياةٍ أفضل.

ولولا الظروف، ما كنّا غادرناك يا وطني.

ستبقى أرضي، ومسقط رأسي، ومأمن روحي...

حتى وإن ابتعد الجسد، فالقلب لا يغادر الوطن أبدًا.