في كل مساء، عندما يهدأ الكون وتخفت الأصوات، يأتي الحنين دون استئذان... يتسلل كنسمة باردة في ليلٍ صامت، ويجلس بجواري، صامتًا أول الأمر، ثم يبدأ بالكلام.
أتظاهر أنني لا أسمعه، أنني مشغولة بأمور الحياة، بالغد، بالعمل، بالناس، لكنه يعرف طريقه جيدًا إلى قلبي. يهمس:
"هل تذكرين؟ حين كنتِ تضحكين من قلبك؟ حين كنتِ تنتظرين رسالته كأنها صلاة؟ حين كنتِ تحلمين أن العمر كله سيكون معه؟"
فماذا أقول للحنين؟
هل أخبره أن الزمان تغير؟
أن الضحكات صارت باهتة، وأن الرسائل لم تعد تأتي، وأن الحلم ذاب كقطعة سكر في قهوة مرة؟
هل أقول له أنني تعبت من الذاكرة، وأنني أريد أن أنسى، لا لأنني قاسية، بل لأن قلبي لم يعد يحتمل؟
لكن الحنين لا يفهم المنطق.
الحنين طفل عنيد، لا يكبر، ولا ينسى، ولا يرحل.
أحيانًا أستسلم... أفتح له دفاتر الصور القديمة، وأستمع معه إلى الأغنية التي كانت "أغنيتنا"، وأبكي.
لا بأس بالبكاء، فهو الطريقة الوحيدة التي يفهمها الحنين.
وفي النهاية، أهمس له:
"لا أملك لك جوابًا... لكن إن صادفتَه يومًا، فقل له إن قلبي لا يزال يتذكّره، رغم كل شيء."
ثم أغلق النوافذ، وأطرد الحنين بلطف... إلى أن يأتي من جديد.
التعليقات