الإهداء

إلى مَن أعتز بقلمي يومًا ، فوالله لأعزنك إلى أبد بقلمي

إلى الملهم ، والأب الروحي

مَن آمَن بالفكرة ، والفكرة لا تموت

(حمدي طلبة)    إلى كبير المخرجين

علي أعتاب محكمة الأسرة ، كانت هناك أسرة تقف ، وكل منهم تاخذه الرياح حيث شاءت ذاكرته عند موقف ، أو حدث معين

أخذت الذاكرة الزوجة يوم أن تقدم لها زوجها ، وحثها الجميع علي الموافقة فهو منهما

(حجا أولي بلحم طوره)

وافقت، وتم الزواج ، وتنازلت كثيًرا لإكمال تلك الزيجة ؛ فهي تزوجت أواخر الثمينانات ، وعقلية أبويها لا ترجح فكرة الطلاق فمضت الأيام ، وهي تحاول أغلب الأحيان نجاح تلك الزيجة ، وفي كثير من الأحيان تعاند ، وترفض ، وتقهر ، وتبكي ، وتنوح علي حظها، ومضت الأيام ، وأنجبت، وقامت بالتربية، وأيضًا إتمام التعليم ، بل وزوجت البعض ، والبعض الآخر علي مشارف الإرتباط

ولكن ساد طوال تلك المدة مشاحنات ، وشجارات ، وتغيب عن المنزل ، وعودة عنوة بسبب الأهل ، أو الأطفال ، حتي فقدت السيطرة عن إحتواء الخلافات بينهما حتي تفشت كل الأسرار ، والأسباب للأطفال فكانوا علي دراية بما يحدث ، كل هذا حدث بسبب ضغينة حملتها بداخلها يوم عادت لأهلها ، ولم ينصفها أحد فكتمت غيظها مرة، وانفجرت مرات ، ليمضي العمر، وتطلب الطلاق ، وهي في منتصف الخمسينيات من عمرها.

بعدما ذبلت كوردة لمستها يد قاسية فخدشت ، وطوت أوراقها الناعمة ، هكذا هي خدشها الشجار، وذكورية زوج ، وضغط الأهل وكرامتها من جانب، وجانب الأبناء، وبكائهم ليلاً في الخفاء، وتفضح خوفهم شراشيف الأَسِرَّة المبتلة

كانت كثيرة التشتت ما بين عقلها ، وقلبها العقل يخبرها أن تحسن من علاقة الأب ، والأبناء ، والقلب يخبرها أن تحمي أطفالها من مرات الوصل خوفًا من كسر الخاطر

كثيرًا ما خرجت في منتصف الليل لتأخذ الأدوية التي وصفها لها الطبيب لعلة بها أو ، بأطفالها من باب المنزل ، والخوف ينهش فؤداها من وحشة الوحدة ، وخوف الأمومة الذي يتلبسها

دائمًا ما تمتت بالدعاء عليه ، وقد حدث في إحدي المرات أن خرج عقب شجار حاد بينهما أثره صوت مكنسة كهربائية أزعجته في نومه ؛ لتصرخ هي بعدما طفح الكيل منه ، ومن عدم تقديره لمجهوداتها ، وأعمالها المنزلية

أما عن الزوج فأخذته الرياح حيث أول شجار بعد الزواج ، وقتما تعاملت معه علي أنها لا شيء يهمها سوي كبريائها ، وذاتها ففرت إلي بيت أهلها تحتمي بها ، ولكن هيهات فهو لم يعتد إمرأة تعصي له كلمة حتي والدته كانت تقوم بكل ما يحتاج ، أو يخصه من أعمال.

مَن هذه؟

حتي تعارضه ، ولكن عادت له رجولته الواهية يوم أعادها إلي منزلها ، فضمن حينها رضوخها فسيطر بكل تجبر وغرور.

غير أن والدته أوهمته بأشياء ، ومطالب تحت ضوء كلمة رجل لهذا الضوء واجبات ، مرت الأيام ، وهو لا يهتم سوي بنفسه يصرخ ، ويأمر، ويبغي السمع والطاعة.

إن تناول الغداء ، ولم تتناوله زوجته؛ لعدم إشتهائها له لا يهتم سوي براحته.

لميعاد نومه قداسية تامة ، لو أنطبقت الأرض علي السماء لا يخرج لأي أمر طارئ ؛ حتي لو تصفت دمها من جرح نزيف ، أو طفل أصاب بالحمي ، لم يكن سويًا رجل متجبر نرجسي ، يصدمها بواقعية كرمه، وضيافته ، وأصالته ، ومواقفه الرجولية ، مع غير أهل بيته لم يعد بهذه الصفات علي أهل البيت سوي بالسيرة الطيبة ، والكرامة بين الناس ، والجميل من البعض لا ينسي مهما انسح لهم الفرصة لرده، أما البيت فكان فاقدًا لتلك الصفات والمواقف

أنجب ، و مثلما هو لم يتغير ولا يشعر بالذنب ، أو التانيب تجاه زوجته ، أو أبنائه كان نرجسيًا ، غير واثق دائماً ما يتساءل عن ماهية الهمسات بين الأبن ، والأم ، وكأنه يخاف أن يجرؤ أحد ، ويفصح عن الإستياء منه

دايمًا ما كان يفضل قطع اللحظات بين الأم ، والأبناء لو سمع الضحكات شاهد العناق ، وغيرها من المودة

ولكن لم يتساءل يوم عمن بني الحواجز بينهم؟

من قام بتمرير الفجوة ، والجفاء؟

قارن الكثير من المرات بين تربيته ، وتربيتهم ، وتربية أقرانهم ، ووصف تربيتهم علي أنها تدليل ، وتقصير بأصول التربية ، وأنه كان يخاف الأب ، ويهاب المعلم علي عكس هذا الجيل الفاسد كما يقول

ولم يتساءل يوم عن كيفية يربي طفلًا؟

و علي نفس أعتاب محكمة الأسرة ، والذاكرة تهب ، بعواصف الذكريات ، وتأخذ الأبناء علي أعتاب منزلهم ، وسط شجارات مشحونة بين أسرة كـَ أي أسرة غير مستقرة ، ومبعثرة مليئة بالتشتت.

ذهبت الرياح بالأبناء إلي حجرة الدراسة حين كانا يشردان بنقاش الصباح الحاد ليفيقا علي صوت المعلم الغاضب

مستواهم الدراسي المتذبذب، علي أثره تلقي عقابًا بعصا المعلمة في صباح نهار بارد علي أطراف أصابعهما الصغيرة آنذاك

أو شعورهما باليتم ووالدهما حي لا يسمع ، أو يدلل، أو يجلب حق ، بل يجور علي حقهما ، وحق والدتهما ، ولا يسمع ، ولا يدلل سوي نفسه ، وكان الأنا خاصته طاغية عليه.

أدمت أفئدتهما من التمني حين يلطفهما أب صديق ، وهنا كان سؤال مهم وبارز يدور في الأذهان

عمن هو المجرم ، أو المهدور حقه؟

هل كان بسبب الأب أم الأم واختيارها ، أو اللوم يقع علي الأبناء؟

لسماحهما للمشجارات بالتفرقة بينهما ، وبين الأبوين

بينما الأب يظل أبًا ، والأم من سهرت ، وتعبت طوال الليالي ، والأبناء من حصدوا الحب ، والحنان.

ولكن لطالما تسائلا عن أي حنان ، وحب منحا؟

كانت هنا أسئلة فلسفية إجتماعية تدور في الأذهان ، وليست هذه الأذهان المتجمعة في المحكمة لطلاق زوج ، وزوجته إنما في كل لب ، وذهن يخضع للتفكير في أسرة مشتتة ك هاته بينما يضج المكان بالضيق البادي علي الوجوه.

كان شعور الحيرة منطبعًا علي وجه الأبن الأكبر بينما شرد، وهو يتصور الحياة لو أن والديه تطلقا منذ بداية نشوب لخلاف.

يا تري كانت سنكون الحياة اهدئ ، والعلاقات أقوي ، وأكثر تماسكًا؟

بل والمودة ، والحب يسلك دربًا بينهم ، والضيق بالصدور لم يكن يعرف لهم باب ، ولكن لاح بالذهن ايضًا عن كيفية لو أنهما تشتت أكثر من هذا ، حينما أختار كل من الأبون شريك آخر.

كيف ستكون الحياة وقتها؟

أسيتشجارن مجددًا عن أين سيمكث الأبناء؟

أما أن كلا منهما سيلتهي بمصلحته وملذته ، وملاذه ، ولا شئ آخر سيشغل له بالاً؟

أكانا سيكوننا بهذا المستوي من الأخلاق ، والرقي بالتعليم ، والمكانة بالعمل؟

أما ان كانا سيخسران كل الملذات ، والآخرين يكسبون ملذاتهما في المقابل؟

وستخسر الأخت عذرية قلبها ، حينما ستلجأ إلي حنان الحبيب بدل من الأب.

فكر قليلًا لو أن الحبيب تلاعب بها ، وقتما كانت ضعيفة؟

أو هو لو تعرف علي أصدقاء سوء، ألقوه به في السجن ، أو طريق الممنوعات ، والإدمان ، أو حرضوه علي ترك التعليم ، واللجوء إلي تخريب البلاد؟

نفض رأسه من هذه الأفكار، ونبث الحمد لله علي هذا النصيب من القدر

أما علي وجه الأبنة كان الجمود باديًا علي وجهها ، ولا تطيق الإنتظار لتنتهي هذه المهمة ، وتنهض لتذهب إلي منزلها ، فهي تشعر بالخزي أي عمر هذا يحدث به طلاق ، حتما ستضع هذا النقاط من المشاكل صوب عينيها حتي لا يتهامسوا عليها الاقارب، والمعارف والأصدقاء لو حدث الطلاق.

أي جنون هذا ينتاب والديها حتي يتطلقا بعد هذا العمر؟

ماذا ستعلن ، وتخبر الجميع بهذا؟

ولكن ستقف أمام إرادة الله فصمتت، وتركت القدر يجري نصيبهم كيما يشاء

بينما لاح العجز، والقهر علي وجه الزوجة ، ونظرة كبرياء مجروحة بعينيها

بينما غاص عقلها بالتفكير

ماذا لو أصابت الإختيار؟

كم تمنت لو منحت حق الإختار؟

هل ولو كان هو الإختيار الصحيح كانت ستنطبق السماء علي الارض؟

تمتت بالإستغفار وتنهدت بحرقة وقلبها يحدثها بأن هذا هو النصيب

بينما خانها القلب بتمني الصبا ، وحب يحتويها صادفته غير هذا

أين كانت ستصادف هكذا حب أكانت ستتمرد علي العادات ، وعائلتها الديكتاتورية؟

، كيف كانت ستزهر، وتحب حينها الحياة والرجال

، وتروق لها حياة الأزواج لو أنه فقط إحتواء خلافهما وصان الود ، وحاول بالإصلاح كان هذا سيلين من حدة غضبها ، ويخجلها من تهجمهها ، والإشارة علي أخطاؤه كانت ستفهم غضبه، وستصلح من ذاتها لو لفت إنتباها بطرق أرقي من هذا

أليس التعامل باللين يرق قلوب النساء؟

أكان جاهلا بالعلاقات ، ومعاملة النساء لهذا الحد؟

لم يكن سيلفظها المجتمع ، ويتهمها بالفجور لأنها لم ترتضي برجل مثله لو أن نظرات والدايها كانت داعمة وحدها نظراتهما كانت ستخرس جميع الألسنة

أليس هما السند والملجأ؟

وكانت بحور التفكير عميقة فغرقت بها.

بينما علي وجه الزوج بدت ملامح القسوة ومحاولة

التحكم بأعصابه أثر ذلك فكه الضاغط عليهما بقوة أسد مستثار بقوته.

وينتابه شعور الغضب عمن حوله ، وبالذات هي كان ناقمًا حاقدًا عليها وبشدة

أي قو ة، وسطوة ، وعناد تمتلكها هذه المرأة؟

ألا تمل من هذا؟

رأسها يماثل الحجارة في صلابتها لا أحد يستطيع يفرض سيطرته عليها، ولا ترضخ لأحد ، لا ترضي بالبديل ، وتصمت ، تعاند ، وتحاور كأنها رجل ؛ بل ولرأيها أهمية عظمة أكثر منه.

أهكذا تكون النساء أليست رقيقات مطيعات؟

خلقن ليعشن تحت القوامة وبما أن القوامة يملكها الرجل فلما لا تتقبل هذا بل تطلب ، بالمزيد، والمزيد تطالب بإهتمام ، ومشاعروهو يتعب ليلاً ونهارًا ليوفر لهم متطالبات الحياة ، بل لديه الكثير من الملذت لا توجد في الكثير من الأسر لم ير أمه تتذمر ، وتطالب مثلها، ونسي أن الأزمنة ، والأجيال تختلف المرأة غير الأخري ، تعبس طوال النهار لو مرض أحد الأبناء ، ولم أكن بالجوار نست أني أتعب في العمل ، وأحتاج للراحة ، أنا إنسان ألي لديها يحقق رغباتها وراحتها فقط.

بعد كل هذا تأتي ، وتطلب الطلاق مهددة إياي بدعوى خلع في المحكمة ، ووقتها سأحرج ذاتيًا أمام الناس ، والأبناء

لا أعلم من الرجل بيننا حقا!

هذه المرأة تصيبني بحالة من الجنون

إلا تملك صبرًا؟ وقليلا من التغاضي؟

ليمر بينا العمر، ويفرقنا الموت.

تنهد بحرقة ، وحدثه قلبه بأنه النصيب.

فاقوا علي صوت القاضي يسألهما للمرة الأخيرة عن قرارايهما.

ليتم الطلاق ونسوا أن الإنسان مسير، وليس بمخير، وإن لا شئ يحدث بمحض الصدفة