بدأت بالنقر على لوحتي الكتابيّة، وأنا لا أعلم وجهة الموضوع الذي أردت كتابته. والحق أقول لكم بأني عازم على الكتابة، وكأنّه نداءٌ داخليّ عاجل يمتاز بالإصرار الغير معهود، لم أتمكّن من تجاهله، فكرة من هنا وأخرى من هناك.

دقّت السّاعة الخامسة فجراً، ساعة جدي الحائطيّة القديمة، خشبيّة مزخرفة بها رقّاص ذهبي اللون عليه نقوش غريبة، تشبه لحدّ بعيد ساعات القصور المهجورة في العصور الغابرة، استحضرت ذكراه، كان رجلاً في العقد السادس من عمره، مثقّفاً يهوى قراءة الكتب ومطالعة الصحف والمجلّات الثقافيّة.

استذكر كلماته، جالساً على كرسيّه الهزّاز وممسكاً بغليونه الخشبيّ قائلاً: أيّ صغيري، إن المتعة الحقيقية أثناء القراءة تفوق عشرات المرّات متعة ما تقرأ، فالكتب قد تتشابه مثل محطات الحياة، لكن بين محطات قراءتها يمرّ قطار العمر الجميل.

لم أدرك معنى تلك الكلمات في ذلك الوقت، كان ربيعي التاسع، أبحث عن قصّة جديدة أو رواية شيّقة تغذّي مخيّلتي، أو حتى غلاف مميّز بألوانه ورسوماته، لكن بقيت صدى كلماته تجول في خاطري.

كبُرنا بسرعة أشبه بسرعة إطباق درفتي مجلّد صفحاته أيام عمر، وتخلّلت خطوط الشيب خصل الشعر، ومازالت عادتي في شغف مستمر للقراءة وتعلّم المزيد. (( ومازلنا صغاراً *ابتسامة* )).

واليوم أنا هنا بينكم، واحدٌ منكم، أشعر بآلامكم ومتاعبكم، أستوحي وأضيء من وهج أفكاركم، أنسجم بتناغم مع مشاعركم، وأرنو نحو الأفق مع آمالكم وتطلعاتكم، فرحت لأفراحكم وحزنت لأحزانكم، وباقٍ على عهدي بكم.

أمعنت النظر قليلاً في مسيرتي ها هنا، مازالت الطريق طويلة ولا أعلم ما تفضي إليه، للحقّ فقد أصبحت أكثر تعلّقاً بالأشياء الغير متوقّعة وقد حدثت مراراً وتكراراً، واليوم إذ أفضي إليكم بهذا البوح، فلأني أدركت بأن متعة المشاركة معكم بالأفكار والكلمات فاقت كل إنجاز.

بعيداً عن كل هذه المقدمة الأدبيّة ، نعم أعزائي، قد لا ندرك للوهلة الأولى مقدار الانجازات التي نقوم بها يومياً هنا، فكلمة تشجيعية هنا أوهناك و نصيحة قيّمة يلقيها أحدنا ولو عن غير قصد، ستدفع بركبنا جميعاً نحو برّ الأمان، في كل يوم هنا، على مقدار ما نحقّق من نجاحات تنعكس علينا جميعاً.

قد ترى أحدهم يفوقك نجاحاً، أو خبرة، ليكن نجاحه وخبرته محفّزاً لاستنهاض همتك وشحذ طاقاتك، تعلّم من هنا وهناك، فكلنا صغارٌ في الحياة ننهل من بحور العلم والعمل، وضع لمستك الشخصية لتكون بصمتك في عملك ومسيرتك المهنية.

هذا ما تعلمته من تجربتي المتواضعة في مجتمع حسوب الكبير بكل تفاصيله وأركانه، بكل رواده وقرّائه، على أملٍ بتعلّم المزيد ومسيرٍ نحو غدٍ معودٍ أفضل بكم ومعكم.

تحية ملؤها السلام والمحبة.