عودةٌ أُُخرى بعد انقطاعٍ ثاني اعتذرُ عليه، أخبرتَكُم فِي مُشاركةٍ سابقةٍ أنّي قررتُ دراسة علم النفس، وها قد عدتُ لَكُم بَعد عامٍ طويلٍ خَتَمتَه بِإنهائي لِإمتحاناتي الأسبوع الفائت، قَضيتُ اليومين الفائتين استعيدُ نشاطي ثُمَّ أتيتُ لِأُخبركُم بِمَا حَدَثَ فِي هذا العام، لن تَكفي مُشاركة واحدة بِالطبع، لِذا سَأحرصُ على إطلاعكُم على كُلِ مَا حَدَثَ فِي مُشاركات كثيرةٍ قادمة فَأنتظروا.

كَانَ عامًا حافلًا، لَقَد فُوجئِتُ بِمَا حَقَقَتَه ذاتي فِي هذا العام صدقًا، وَجَدتُ نفسي داخل مجتمع كبير بِه الكثير مِن الشخصيات، كلًا مِنها آتٍ مِن بيئةٍ مختلفةٍ تمامًا عَني، أعتقدتُ أنّي سَأجدُ صعوبة فِي الأندماج بَيّنَهُم، لكني كُنتُ مُخطئة، فَمُنذُ يومي الأول بَدأتُ بِتكوين صداقات بَل وقُمتُ بِإدخال أشخاص كُثُر فِي مجموعات مختلفة، كُنتُ أجدُ القبول مِن كُل مَن اتعامل مَعه كَالعادة، أحمدُ الله على ذَلكَ فَلم تَتَولَّد عَداوات قَط بَيّني وبَيّنَ أحد، وبِالنسبة لِلتعامل مَع الجنس الآخر فَلم أجدُ صعوبة فِي ذَلكَ، كَانَ التعامل فِي حُدود الأحترام والأخوة ليس أكثر.

بَعد فترة مِن دُخولي الكلية وانتظامي فِي المُحاضرات، وَجدتُ مِن هي مِثلي تمامًا فِي كُلِ شيءٍ وقَد كَانَ ذَلكَ غريبًا حقًا، مُتشابهين فِي قِصر الطول، الصوت الهادئ، الطِبَاع، الفِكر، الجِنان مَع مَن نَستريحُ مَعه، الشخصية حتى عائلاتُنا مُتشابهة، وَجَدتُ نَفسي أمام مرآة! نَفهمُ بَعضِنا بِمجردِ النظرات لا نَحتاج لِلكلمات، اقتربنا أكثر فَأكثر وكُلمَا فَعَلنا شَككنا فِي احتمالية أنّ نَكون توأم بِالفعل، حتى زُملائِنا فِي الكلية كانوا يَتَسَألون عندما لا نَكُن معًا وكَأنَّهُم يَروننا شخصًا واحدًا، رُبمَا تَضحكون الآن مَعكُم حق هذا يَدعو لِلضحك جدًا.

ازدادَ أصدقائي مَع مرور الأيام وثِقتَهُم فِيَّ أيضَا، فَقَد رأوني تِلكَ المُجتهدة التي تَجلسُ فِي أول المدرج مُنصتةً لِلمُحاضرين وتُسجِّل ورائهم، فَرَقِيَتْ مَكانتي بَيّنَهم حتى أصبحتُ مِن المسؤلين، تَحمَّلتُ المسؤلية -مَع عددٍ آخر مِن زُملائي مِن الجنسين- طوعًا مِني بِهدفِ الإفادة والمساعدة لا أكثر، وزَادَتْ تَعامُلاتي مَع الدكاترة وصَارتُ بَيّني وبَيّنَ بَعضهم مُحادثات فِي نطاقات أخرى غير الدراسة.

دراستي لِعلم النفس سَاعَدَتني كثيرًا، صِرتُ أُدَقِقُ فِي تصرفات مَن حولي وأُحَلِلُ الأستنتاجات بِعقلي، لكن لا أُطلِقُ الأحكام؛ فَالنفسُ البشرية مُعقدةٌ جدًا وهُنَاك دائمًا احتمالات فِي مَقَاصِدُها، وهُنا الخبرة وكثرة المُمارسة يُمكن أنّ تُسَاعد فِي تَقليل تِلكَ الإحتمالات وحصرها، لكنها تظل احتمالات تحتمل الصواب والخطأ، فَمثلًا ليسَ كُل مَن يَتَعلّثَم فِي الكلام كاذبًا قَد يَكون مُتوتِرًا فَقَط أو مُحرجًا، غَيرَ أنّ دراستي سَاهَمتْ كَذَلكَ فِي تَعاملي مَع مَن حولي مِن عائلة وأصدقاء، بِالإضافة إلى أنّي الآن أُساعدُ بعضًا مِمَن لديهم مشاكل نفسية كَالأكتئاب وكيفية التحكم فِي مشاعر المراهقة وغيرها، وأُرتبُ لِلنزولِ لِمراكزِ علاج نفسي ومُستشفيات لِلتدريبِ واكتساب خبرة أكثر.

إلى جانب دراستي فَقَد ظَهَر أنّي جيّدة بِالكتابة، كُنتُ أكتبُ مِن ثلاثِ سنوات لكن لم أكن أنشرُ شيئًا -كُنتُ أُطوِرُ كلماتي وأبحثُ عَن أسلوبٍ يُناسبُني- ، وعندما بَدأتُ بِالنشر كَانَ على حسوب لِذا أرجعُ الفضل فِي تَحسُنِي هذا إلى مُجتمع حسوب فَشكرًا لَكُم حقًا، كَتبتُ مسرحية فِي فترةٍ مَا ولاقتْ إعجاب كُل مَن أدوها وشاهدوها لِدرجة نزول دموعهم، لا أنسي كلمات أمي ونحن عائدون للبيت آنذَاكَ "هل كَتَبتِ هذا حقًا؟" أجبتُ بِفرحةٍ "نعم" وظَلّتْ تُكَرِرُ سؤالها غير مُصدقة وأنا أُجيبُها ضاحكةً أُؤكِدُ لَها، كِدتُ أبكي مِن كثرة مَدحَهم لِي ذَلكَ اليوم.

شَاركتُ فِي الكثير مِن غُرفِ الكتابة وأخذتُ عِدة شهادات بِالمركز الأول، وأنشرُ الآن فِي جرائدٍ الكترونية إلى جانبِ حسوب بِالتأكيد، رأيتُ الدعم مِن عائلتي وأصدقائي تَعجزُ كلماتي عَن رَدّ مَا يَفعلوه مَعي يَكبرُ كَياني كُل يوم بِسبَبَهُم، ها أنا مُنتظرة نَشِر كِتاب خواطر مُجمع كُنتُ قَد شَاركتُ بِه، والمِيزة التي جَعَلَتني أُشاركَ فِي مِثلِ ذَلكَ الكتاب، أنّه سَيَتَم تَرجمته إلى اثنتا عشر لُغة مُختلفة غير العربية، والخطوة القادمة سَتَكون كتاب منفرد لِي فَقَط أنتظرُ الفكرة المُناسبة التي تَستَحق وسَأبدأ فورًا.

أعتذرُ على الإطالة ولكن أردتُ إعطائكم تقريرًا بِالأحداث التي حَدَثَتْ فِي غيابي عَنكُم فُأنتم الآن كَعائلة بِالنسبة لي، أشتقتُ لِمُناقشتَكُم حقًا...