مسكين طالب الطب، حينما تضيق عليه الدنيا، وتغور عيونه طالبةً للنوم، لا يجد شيئًا يُعيده إلى صحوته الأولى. نعم الكافيين مفيد، لكنّه يتأخَّر إلى أن يُعطي مفعوله ويحتاج إلى 25 دقيقة، وهذه مخاطرة.
في بعض الأحيان يلجأ إلى أساليب أسرع وأكثر بدائية. لا يعتمد على الكافيين بل على الأدرينالين، وحينما يُفكِّر: من أين أرفع الأدرينالين؟ الرياضة في الوضع الكئيب لا تُطاق، وقراءة واسترجاع الأشعار والأغاني المُحفّزة هو عمل ذهني متطلِّب في هذه الفترة الحساسة.
لم يبق لي الليلة الماضية إلّا تجريب بعض الأساليب الجديدة، محاولة تعريض راحة يدي لولّاعة النيران: حرَّاه! أهذه النار التي نُوعد بها؟
لستُ مجنونًا، مرّر النار على راحة يدك لثانية، ستسحبها وتشعر بالأدرينالين. هنا سأطلب أن لا تصل لحرق من الدرجة الثالثة!
قد قلتُ لك "راحة يدي" أكثر من مرّة، لأنَّ صديق لي قد جرّبها على الذراع، فاحترقت حويصلات الشعر حرقة خفيفة، فأخرجت رائحة رأس الخروف المذبوح حينما يُطبخ على النار.
أدّخرت بعض الأساليب التي تعلّمتها من الطبّ العدلي "الاختناق العمدي" إلى آخر الليل، حبستُ نفسي لـ 40 ثانية، ثمَّ أخرجته، فتدفّق الأدرينالين وأعطاني نصف ساعة أخرى.
قرأت في صغري موسوعة العذاب، وهو كتاب يحكي عن أساليب التعذيب في الزمن الماضي. ولو زادَ وقتي مع هذا الامتحان، لأستخدمتُ منه طُرقًا تُصبح أحاديث طلّاب شارع باب المعظَّم إلى آخر الزمان.
أمتحنّا امتحانًا فصليًا كبيرًا، يكاد يكون الأكبر في كلّية الطب، كما قلتُ لكم يتألف من 205 بابًا، وكل باب فيه 40-100 صفحة، لنقل أنَّ معدَّل الصفحات فيه 40 للملف الواحد، وأنا بخيلٌ في هذا التقدير. هذا يعني أننا نتحدّث على 8200 صفحة.
خضتُ امتحانًا جيدًا، أخطأتُ في 15 سؤالًا (وأتوقعها أن تزيد إلى 18) من ثمانين. أردتُ أكثر، لكن مع ظروف كهذه، فأنا كامرئ القيس بن حجر حين يقول:
ألا أبلغ بني حجر بن عمرو
وأبلغ ذلك الحيَّ الحريدا
بأنِّي قد بقيتُ بقاء قومٍ
ولم أُخلَق سِلامًا أو حديدا.
أستطيع صياغة درسين من هذا الإمتحان، لعلَّها تنفعُ من يُقدم على مثل هذه الأهوال من بعدي:
لا تلتفت إلى الوراء
مثل هذه الامتحانات طويلة، ولم نملك إلّا 17 يومًا للتحضير لها، هذا يعني إنَّك لتكون على المسار الصحيح، يجب أن تقرأ 482 صفحة يوميًا.
حسنًا لن تقرأ كل سطر من الـ 482، ستعرف بالخبرة ما يجب أن تحفظه، وهناك بعض المعلومات المُكرّرة. لكن تكرار هذا العدد ن الصفحات على مدار الأيام المتتالية، يجعل تشكّ في ذاكرتك. ماذا لو نسيتُ -وأنا في اليوم السابع- شيئًا قرأته في اليوم الثاني؟
لهذا لا يجب أن تلتفت، إذا ألتفتَ ستزيد الشكوك وستضيّع الذي في يدك. مثل هذه الامتحانات المارثونية تتطلّب أن تغطّي أكبر قدر ممكن من المادة.
لا تحاول أن تكون "مثاليًا" في كل صفحة، بل حاول أن تغطّي أكبر قدر ممكن من الصفحات. بهذا ستكون أهلًا للمنافسة أكبر قدر ممكن من الدرجات.
لا تفزع
التحضير للامتحان يتضمّن حلّ أسئلة مختلفة للتحقّق من تقدّمك في المادة، وهنا تكمن العبرة. في بعض الأحيان تكتشف أنَّك لم تتقدَّم، ومررت على صفحات مهمّة من دون فهم نقاطها الأساسية. ماذا عليك أن تصنع؟
لا شيء. تقبَّل بتواضع الخطأ، من سِمات القراءة السريعة أن نفوِّت المهم، تذكّر أن الهدف تغطية أكبر قدر ممكن من المادة. حاول أن تفهم السؤال الخاطئ، ثمَّ امضِ للذي بعده.
التعليقات