" أنت مجنونة " "انت غريبة أطوار" أنت شخص عصبي مكتئب فاشل" ...
كلمات حفظتها منذ أن بدأت أعي معنى العالم و المجتمع ،
كلمات كانت تدق كمسامير في نعش روحي . و تشيع حبي و شغفي للعالم في جنازة لا بكاء فيها ، عالم لطالما كنت حالمة به إلا أنه رفعني بكف و ضربني بأكثر قاع مظلم بالكف الأخرى ... و كل يوم أزداد ألما و حزنا بسبب أو بدونه و مزاجي لا يثبت أبد . بالبداية ظننت أني مجنونة كما يقال عني ، لكن ...
لا ...
الأمر أكثر تعقيد من مجرد كلمات يطلقها عليك مجتمع سقيم .
قصتي كيف عرفت أني مريض نفسي ...
لن أطيل لأدخل لتلك اللحظات ، لكن لكل قصة بداية و بداية قصتي كانت في سن الخامسة عشر ، بدأت حينها أشعر بالإنفصال عن الواقع الذي أنا به و أدخل بنوبات اكتئاب مجهولة السبب . كأن أنهض صباحا مستعدة و متفائلة فلا يزول الصباح و يحل المساء حتى أصبح شخص آخر كليا مكتئب متعب مرهق . كنت شخص انطوائي ، منعزل و لا يحتك كثيرا بالناس لا أصدقاء له مما علمني الكتمان و كبت كل مشاعري ، كنت روبوت يتحرك وفق أوامر محددة فقط دراسة بيت فقط لا خيار آخر .. -اكثر تعبير جاء ببالي-
لم أتعرض لصدمة عنيفة ، كنت عادية و بسيطة بحياتي المشاكل معتادة بكل بيت او ككل انسان بهذا السن لكن ليس لحد الصدمة . لذلك اكتئابي لم يكن له مصوغ واضح -في اعتقادي وقتها-
صحيح أني تعرضت لتنمر النفسي و الجسدي كثيرا و كنت فتاة الظل التي لا ينظر لها إلا للمصلحة -ربما هذا أفقدني الثقة بمن حولي- لكن لم يكن كافي لأكون هكذا .. بنظري سابقا أو بالاحرى هنا لا أدرك ما يحصل خلال هذه الفترة لأنه تم اقناعي انه أملك الحياة السعيدة فقط أنا القانطة ...
تطور الأمر سنة وراء سنة ، حتى تفاقم الأمر من مجرد إكتئاب ، بل صرت و بكل أسف أكتبها ، أصاب بنوبات هلع مثلا لما أركب الحافلة أتخيل أنه انقلبت بنا و أتساءل ماذا لو نصطدم بشيء آخر ، ليس مجرد تخيل بل انا اعيش اللحظة حتى تنزل الدموع و أشهق بعدها ، ظهرت الهلوسة السمعية بمعنى أسمع أصوات لا وجود لها ، أو أحس ان شيء يكلمني بداخلي بشكل واضح ..
هلوسة بصرية صرت أرى الدماء بكل مكان ...
كدت أجن ، و جربت ... أن أنتحر لكني فشلت بذلك .
لذلك قررت بوضوح أنه لابد أن أذهب لطبيب نفسي لأرى مابي ، لانه لا أحد يعرف ما يحصل معي حتى عائلتي ، لذلك لما بلغت 21 سنة ، بدأت أزاول عملي بالمستشفى حينها كان سهل لي أن أزور معالج نفسي ، في أول جلسة .. فقط قالت لي سأستدعي طبيب الأمراض العقلية و النفسية ليتابعك ، هل تقبلين بشرب الدواء ؟!
السؤال الذي رعد في قلبي و جعلني أرتعش .. لكني شخص متقبل و لا يبرز قلقه وافقت .. أجل وافقت ان تسري الأدوية بدمي فقط لأتخلص من ذاك الجثوم المكتئب القابع على صدري و تلك الدماء الشيطانية التي تتلبس بعيوني و ذاك المارد الذي يحدثني ...
كنت خائفة من نظرة العالم لي ، و نظرة والداي لي ، كنت أعرف أن مجتمعي يرى الطبيب النفسي و الأدوية مجرد ترهات ... كنت أعرف الكثير من النظرات السلبية و أنه بإعتقادهم ان من يزور معالج او طبيب ، او يتناول أدوية محددة سيكون فقط المجنون الذي فقد الأهلية و القدرة على العمل و يجب عزله عن كل شيء ، رغم أني لست ممن رفع عنهم القلم بل أذكى من أن يتحملني مجتمع غبي ... قالت الطبيبة الاولى لي:
اسمعي **** كلنا نحتاج لعلاج ، فآخر واحد بنا لديه وسواس بسيط ، لذلك ثقي بأنك لست الأولى و لا الأخيرة .
منذ شهر 10/2019 ، صرت أعرف أني مضطرب .
هكذا بدأت أستعد نفسيا لمغامرة العلاج ، و وصفت لي أدوية الهلوسة ، و مضادات الإكتئاب ، و مزيلات القلق و الهلع .. لم تكن لتنفعني لو لم تكن لدي إرادة العلاج، كنت فضولية لأعرف ما هذا الذي أعيشه فتقلباتي لا تنتهي صحيح أن بمرور السنوات تقبلت و عشت مع كل تلك النظرات التي توقعتها لكن على الأقل عرفت أني مضطرب و علي العلاج .. و وحدي لن أتمكن من فعل ذلك ..
يوم 12/06/2022 ، عرفت نوع اضطرابي ... و هذه قصة أخرى ،
بالنهاية شاركت قصتي الشخصية لكي أصل لنتيجة ، و هي
الانسان وحده لا يعالج نفسه ، دوما يحتاج لأذن حكيمة تسمعه و ترشده ، و بنفس اللحظة ، لا يمكن للادوية و اليد الحكيمة شفاءك اذا لم تقرر بنفسك و تسمح للعلاج أن ينفعك و تتفاعل معه و تحاول ، السر في شيئين :
المساعدة و التفاعل مع ما يعرض لك !
الاجتهاد لتكون بخير أفضل من التحديق و حسب !
بسيطة هي المعادلة لكن تطبيقها صعب ، علينا بالشجاعة ~~ النهاية ~~
التعليقات