((درس في الحریة من عاشق ھنري مللر و الشوكلاتة))

لطالما أحبطني النظام التعلیمي في بلادنا، لیس في فلسطین في

حسب، بل في كل البلاد العربیة، فمدارسنا لا تعد مواطناً صالحاً، و لا تزرع قیماً إنسانیة، و لا تنمي روح الابتكار و لا تخلق فرسان حریة و تجدید و تجدد، و كل أنماط التفكیر لدى نظامنا التربوي المھلھل ھي تقلیدیة نمطیة، لا بل أنھا قد تنقل لأطفالنا في المدارس قیم سلبیة أیضا،

عن قصد أو غیر ذلك. و طالما سمعنا عبارة " التفكیر خارج الصندوق"، و كل الذین

یرددونھا تفكیرھم في قاع الصندوق، لا یغادره أبداً، حتى أن ھذه العبارة أصبحت ممجوجة و حولناھا الى كلاشیھ مثلھ مثل أخواتھ من الكلاشیھات المصفوفة جنب بعضھا البعض في أدمغتنا المعشش فیھا العنكبوت و

الناموس، ففرغناھا من مضمونھا الحقیقي من كثرة تردادنا لھا،،، لكني في ھذه النادرة التي شھدتھا صدفة بنفسي قبل تسع سنوات، ربما یكون أفضل مثل شاھدتھ كیف یمكن للمعلم أن یفكر و یتصرف خارج الصندوق، و یكون مبدعاً حقیقیاً یستحق التقدیر و الإعجاب،

فتفضلوا أصدقائي بالقراءة، لن أطیل علیكم. قبل حوالي عشر سنوات، ذھبت في زیارة لمدرسة أمین الحسیني في

البیرة، حیث كان ابني مجد في الصف التاسع، و ذلك كي أضطلع على أحوال مجد و أخباره و سلوكھ في المدرسة، وقد كان، فإجتمعت بمدیر المدرسة حینھا المربي الفاضل الأستاذ یاسر القصراوي في مكتبھ بالطابق الأول من المدرسة وعلى مقربة من الباب الرئیسي لھا، فطمأنني على مستوى مجد التعلیمي و الأخلاقي و السلوكي، و بدون أي مقدمات سمعنا صوت ھدیر و صخب شدید و أصوات صارخة بشكل عشوائي و ضحكات و قھقات و صوت أقدام طلاب یتراكضون و یھبطون الدرج من الطابق الثاني نحو الطابق الأول، فھرع مدیر المدرسة و أنا معھ لا أدرك كنھ ما یجري و خرجنا معاً الى الكاریدور، صعق مدیر المدرسھ وأصابھ

الذھول، فھذا لیس وقت الاستراحة بین الحصص، إنھا الحصة الثانیة و إذا بطلاب احد الصفوف برفقة معلمھم یتراكضون و یتجھون بسرعة نحو ساحة المدرسة، و حیث أن باب المدرسة مغلق، صاح بھم المعلم، الباب مغلق ماذا نفعل؟؟؟؟ قالوا: نقفز عن السور!!!!، قال المعلم ھیا اذاً، فاتجھوا نحو سور المدرسة و بدءوا یتقافزون عنھ و عن السلك الشائك فوقھ و الذي یزید ارتفاعھ عن مترین!!!، و كان المعلم معھم یساعدھم على إتمام عملیھ الھروب العظیم تلك. كل ذلك و أنا مصعوق من المشھد، و مدیر المدرسة كأنھ قد أصیب بصدمة كھربائیة شلت كل عضلات وجھھ، الا ابتسامة خفیة حاول أن یخفیھا و ھو یتساءل: ما الحكایة، أي صف ھذا و ما ھي حصتھم حسب الجدول؟؟ أجاب سكرتیر المدرسة الذي خرج مثلنا الى الكاریدور مصدوما من تدافع الطلاب: ھذا الصف الثامن ب/ حصتھم لغة عربیة، أستاذھم زیاد خداش، حینھا ابتسم الأستاذ یاسر مدیر المدرسة فوضع یده على كتفي كأنھ یعتذر و قال: تعال أبو المجد لنعود الى مكتبي، و نكمل شرب القھوة، انھ الأستاذ زیاد خداش ـ یعلمھم

درس في الحریة. لم أكن أعرف الأستاذ زیاد قبل ذلك، و لم أكن أعلم أنھ أدیب مبدع و

كاتب محنك، قلت في نفسي: درس في الحریة!!!!!!ما أعظم ھذا المعلم،،،،،،،

فیما بعد تعرفت على زیاد بشكل شخصي، فعرفت كم ھو إنسان

شفاف، و رقیق و خفیف الظل، ثم اطلعت على كتاباتھ فغذا ھي عالم من السحر و السلاسة و الصدق تأسرك منذ أول لحظة، فتصبح كتاباتھ كأنھا بلسم للنفوس المضطربة و القلوب المتقلبة، و أنھا بمثابة سحابة تظلل الإنسان في أیامھ الصعبة و الجافة، حسب رأیي الشخصي المتواضع فإن مفتاح شخصیتھ من كتاباتھ یتمثل في: الحریة، و كسر الأغلال و القیود، و القوالب الجاھزة و النمط التقلیدي في التفكیر، و الانطلاق بعیداً عن المألوف و خارج كل الصنادیق النمطیة، فھذا ھو طریق الإبداع و التطور

الى الأفضل خاصة مع الجیل الشاب. فمن منا یعرف على نفسھ بصفحتھ على الفیسبوك بعبارة:

))شخص یحب الله و ھنري مللر و الشوكلاتة(( ؟؟!!!!یجب أن تكون زیاد خداش لتكتب ذلك.

لكل ذلك أسمیتھ ""دومري فلسطین"" حامل مشاعل الحریة و داعیا لھا و موقظاً الناس من أوھامھم المتوارثة و قوالبھم الجامدة و كلاشیھاتھم المتعفنة.

یا رب الذي لا یُرجى الفضل و النعمة من سواه،،،، یا رب السماوات

والأرض،،،، یا حَنّانّ یا منان،،، اللھم اعطف علینا و ارحمنا و ارزقنا یا رب العزة یا كریم و ھَب لنا: ألف معلم مثل الأستاذ زیاد خداش، و احفظ

لنا أدیباً واحداً اسمھ زیاد خداش. ********

محمد نایف جرار / أبو المجد--- 26/7/2020