14:40    le:28/01/2022 

بالسطح

الجمعة ..

متعب ،محبط ،تتجاذبني الأحاسيس من كل جانب ..

و كأني الوحيد المعني بهذا الرحيل اللعين 

بين غياب و حضور تتلاعب بي الأيام ،و تصدمني في كل نهاية بجدار خيبة ،احاول الهروب من لُجَةِ الحزن والكآبة التي تتملكني و تتوغل بداخلي اكثر و اكثر ..

اغادرالسطح بعد ان كدت اختنق هناك رغم شساعة المساحة

كانت السماء صافية تتألق الشمس بحضورها اللافت ، كان الجو دافئا و هادئا جدا ، بالرغم من كل ذلك إلا اني أحسست ببرد يعبر اطرافي و يشد على انفاسي المبعثرة 

ادخل الى الغرفة ، اجد جدي مستلق بسريري،كان يبحث عني لا لشيء؛ فقط ليجلس معي قليلا ...

بقي يتحدث عن ماضيه الجميل ، و الاحداث الدافئة التي كانت تزين تلك الفترة من حياته و بقيت انا من حين لاخر اهز رأسي بالايجاب و اتظاهر بفهمه، كنت حينها غائب في عالم آخر تماما ،لم استطع الهروب من فخاخ الحزن ،وقعت و لم اجد المخرج بعد .

 يُفتح الباب ببطء، تقاطعني جدتي بصينية بها فنجان قهوة و فطيرة مدلوك ..

ثم تغادر و تغلق الباب خلفها ،تاركة بخار القهوة المتصاعد من الفنجان يرسم بالجو لوحات لا أفهمها ..

انظر الى المدفأة أصغي الى صوتها المتذبذب ، أحاول قدر الإمكان ان أشد على ملامحي ،أن ألبس وجها ليس بوجهي 

واصل جدي حكاياه عن أشياء لا أعيها ، كنت اعتذر منه بداخلي ،لقد كنت أوهمه بأني أصغي و أفهم عليه 

كنت في عالم آخر تماما ..

يرن هاتفي تصلني رسالة جديدة ..

سيف صديقي! ياترى أين هو ..؟

كان بطريقه لمغادرة الثكنة بعدما أخذ إجازة مفاجئة ..

كنت سعيدا لأجله ، تمنيت لو مر بي ثم واصل طريقه ، و لكن الوقت لم يكن مساعدا للترتيب للقاء سريع ...

أخذ سيارة أجرة من مدينة افلو نحو مدينة الجلفة ليواصل طريقه الليلي الطويل نحو مدينته الخضراء قالمة ..

سألت عنه ، عن مكانه ، و وقت وصوله ، و طلبت منه أن يطلعني على كل المجريات ..

أحمل صينية القهوة بعد أن تجرعت كل شيء دون أن أشعر به

لاول مرة لا أحس بطعم القهوة لا أعيرها إهتماما ،اتجهت صوب المطبخ بعد أن أنهى جدي قصته ، لم أكن قادرا على مواصلة التمثيل أكثر ..

حملت حزني ، و كومة افكاري المشوشة و هربت الى السطح مجددا ..

 ما بالنا وحقائب الرحيل و كأنها صنعت لتناسب أيدينا فقط 

متعب حَدَّ الجنون ،مرهق من كل الطرق ..

اتجلد و احاول التناسي كل يوم ، اقول سينتهي كل شيء ، ساهرب ذات يوم ..

و لا شيء انتهى ،كل شيء على حاله تزحف الأيام ببطء فوق جسدي و يدوسني الوقت باقدامه الحافية كل مرة ..

كل شيء يطول و يبدو أكبر مع انتظاراتي اليومية المتجددة ، كل شيء يأبى ملامسة النهاية التي ألمحها ، انتهي ببطء ،و أهبط مثل ذرات الرمل بقاع الزجاجة ..

يسقط كل شيء بنيته منذ أشهر و أسقط بداخلي مجددا ..

لست الوحيد من يحزنه الأمر ، ارى الحزن بداخل جدتي يتسع اكثر ،أراها تتمنى لو كان بامكانها فعل شيء او ايقاف ساعة الحائط اللعينة و منعي من المغادرة ..

لست حزينا لأجل الرحيل ،او لابتعادي مجدداً ..

تعبت من هذه المهزلة التي يسمونها العسكر ، لم اتقبلها يوما ، لازال الرفض بداخلي يصرخ و يعلو صوته ليخترق شفاهي ..

8 أشهر ،كل ما تبقى ..

هاتفي يرن بيدي ، سيف يتصل مجددا ،يبعدني عن التفكير في كل تلك المعادلات المعقدة للرحيل ..

ارد عليه بصوت غير صوتي ، احاول ان لا اصيبه بعدوى الحزن هذه ..

يقول انه وصل الى مدينة الجلفة ..

كان حديثه اليَّ يؤنسني و يربت بايادٍ حانية على كتلة الكآبة بداخلي ، يسعدني انه وصل الى بداية الطريق ،رغم انها لا تزال طويلة امامه ..

مجرد وجوده بمدينة الجلفة يسعدني ،تلك المدينة القريبة الى قلبي ، هو بنفس المكان الذي اعتدت التواجد به ،يطأ نفس الأرض التي وطاتها ذات يوم ، المحطة البرية نفسها ، الإقامة الجامعية المقابلة لها ، انه ينظر الى غرفتي بالإقامة دون ان يدري ..

يقرأ لافتة المرقد تلك ، مازالت هي نفسها باهتة اللون ..

أعرف أن سيف ياكل بذلك المطعم و ربما سيمر بالمقهى بجانبه أيضا ، سيجلس بنفس الكرسي الذي اعتدت الجلوس فوقه ..

وسط فوضى الحزن التي تحيطني ، كان مجرد ذكر تلك المدينة امامي ، يشعرني بشيء من سعادة و دفء لا اعي مصدرهما..

زيارة صديقي سيف ، لتلك المدينة كانت كافية لتعديل مزاجي بعض الشيء ..

قال سيف في مكالمته يسال عني ، و عن زمن مغادرتي .

صارحته ،محاولا ان لا افقد صوتي ، باني سئمت مثلما يكره الطفل الصغير من لعبته ولم اعد قادرا على المقاومة اكثر 

تعبت كثيرا و انهيت كلامي محاولا ان لا انقل له احاسيسي السلبية تلك ..

الجلفة المدينة التي لا تنسى ..

مكان عشت فيه مع بعض الاصدقاء اروع اللحظات ..

و ها هو سيف بمروره السريع هذا يعيد اليَّ بعضا منها .

قطعت المكالمة بعد ان تمنيت له طريق السلامة ، و واصلت الجلوس رفقة المساء و وحدتي و تناقضات اتعبتني ..

#موساوي عبد الغني ♤