أجلس منزوية في مقهى هادئ مطل على الشارع أراقب الناس و أهرب من عقلي المشوش في التركيز في ملامحهم و تحليل كل ما تقع عليه عيناي أشحن عقلي بأفكار تافهة و تخيلات لاطائل منها، هربا من الجنون الذي يلاحقني..

وسط كل هذا أتساءل إن كنت على عتبة نوبة هوس جديدة و الحقيقة أن الفكرة تثيرني جدا، أشعر أنني أتوق إلى نوبة هوس خفيفة.. الى النشوة و الاغراء الى تقديس اناي.. أن ارى نفسي رائعة من جديد و إلى ابتسامتي الجميلة و عيناي اللامعتين.. الى وضع الخطط و المشاريع أشتاق إلى الأمل و إلى أن "أريد"..

يتساءل كل من حولي عما أريد.. عما أحتاج لكي أعود الى الحياة .. أتفهم أنهم سئموا العيش مع جثة تتعفن أمامهم شيئا فشيئا...أنا أيضا سئمت العيش داخلها.

أصبت مؤخرا بصداع نصفي رهيب و أمضيت ليال كثيرة في البكاء.. ليلا لن يوقفني أحد و لن يرهقني أحد بأسئلة لو كنت أعلم إجابتها ما وصلت إلى هذه الحال.. تضررت عيناي و اشتد بي الألم.. في الطريق لرؤية الطبيب ثانية حاولت ان أسحب نقودا لتغطية تكاليف الفحص و العلاج ..

و قفت أمام الة السحب وضعت الرقم السري الذي أحفظه جيدا على حد علمي لكنه كان خاطئا حاولت مرة ثانية و ثالثة الى ان سحبتها مني الوكالة البنكية.. لقد نسيته و إلى الآن لا أستطيع تذكره.. أغلب الأرقام التي في ذاكرتي تتلاشى شيئا فشيئا.. 

اقترضت المال من أحد أقاربي ثم أكملت طريقي مستندة على أختي التي تعلم جيدا أن دوري قد أتى لأنهار.

في المحطة.. قال لي محصل الأجرة بمجرد أن تفحص وجهي لبضع ثوان "الله يشافي" كذلك فعل السائق و المرأة التي مرت بجواري.. و كذلك أيضا فعل زوجي في رسالة نصية..

لقد خانني كل من قلبي و عقلي و ذاكرتي ثم انهرت بعدها لأيام لا أدري كم عددها.. احتضنت فيها صغيرتي طويلا حتى أستطيع الوقوف فقط من جديد..

لكنني استطعت الوقوف و المشي و الجلوس هنا بعيدا عن الجميع و الأهم من ذلك كله أنني استطعت الكتابة..