كانت حياة تعيش مع والدها وأمها في الإسكندرية بمصر ، تميزت حياتهم بالبساطة ، فأبوها عامل بإحدى شركات البناء التي تدفع القليل مقابل العمل الشاق ،
كبرت حياة في اسرتها البسيطة وتمكنت من الوصول الى التانوية رغم الإمكانيات المحدودة ، كانت تضاعف مجهوداتها ووتقرب من المتفوقين لتطور نفسها ،
في احد الايام كانت حياة في مكتبة الثانوية تبحث عن كتابها المفضل لتتفاجئ انه غير موجود في مكانه ومن المفترض ان احدا غيرها سبقها إليه، وبينما هي تغادر المكتبة وإذا بها ترى شابا جالسا يقرأ نفس الكتاب الذي تبحث عنه ،
سألته بلطف عن ما إذا كان قد انتهى من قراءته فنظر اليها واجابها انه على وشك الانتهاء منه ، فجلست بالقرب منه تنتظره ، كان ينظر اليها اكثر مما ينظر الى الكتاب ، واحيانا يطيل النظر ،
اخد قلم الرصاص وكتب على احدى صفحات الكتاب شيئا ما وطوى الصفحة واعطاها الكتاب وغادر مبتسما بعدما شكرته ،
كان الفضول يغمرها وارادت معرفة الكلمات التي كتبها الشاب ، ففتحت الصفحة التي كتب عليها ووجدته ترك لها هذه الرسالة
" تستطيعين محو هاته الكلمات باستعمال الممحات ولكنني لا استطيح محو صورتك من مخيلتي لأنك جميلة حقا "
ابتسمت وبدت مستغربة من كلماته وقرأت الكتاب واعادته لمكانه بعد ان مسحت الكلمات ،
بعد يوم عادت لأخد كتابها المفضل وفتحته لتجد فيه رسالة اخرى مكتوب فيها " شكرا على ردك لقد اعجبني و يمكنكك ايجادي في اي وقت بالقرب في غرفة المطالعة "
فوجئت من كلماته وتوجهت صوب قاعة المطالعة فإذا بها تسمع صوتا يقول " كنت اعلم انك ستأتين "
التفتت خلفها لتجد الشاب مبتسما يحييها ويخبرها أن اسمه يحيى ، ردت تحيته وعرفت نفسها له وسألته باستغراب عن الرسالة التي إدعى انها تركتها له وهي في الحقيقة لم تترك له شيئا ، فرد عليها انه ضل يراقبها وهي تقرأ الرسالة التي تركها في الكتاب وان ردها هو ابتسامتها الجميلة ،
ابتسمت مستغربة وتبادلت معه اسئلة التعارف الى ان صار كل منهم يعرف اسرار الأخر ،
كانت المكتبة تجمعهم ويجلسون فيها بشكل متكرر الى ان قوت علاقتهم واحس الطرفان ان كل واحد منهما مناسب للأخر فأفصح يحيا عن حبه لحياة ووعدها أنه سيتقدم لخطبتها في القريب العاجل ، وكانت من نظراتها تبدوا معجبة بذلك ،
بعد نهاية السنة الدراسية تقدم لخطبة حياة صديق والدها مصطفى ،الذي كان يكبرها بسبع سنوات تقريبا ، فرفضت الفكرة رفضا تاما ولكن والدها اصر على زواجها به لأنه صديقه المقرب وحالته المادية ميسورة ،
واصلت حياة رفضها لفكرة الزواج بسبب تعلقها الكبير بيحيى ، فاخبرته بذلك وغضب غضبا شديدا وطلب من والديه التقدم لخطبتها له ، فقوبل طلبه بالسخرية وبالرفض فهو ما يزال طالبا ولا يستطيع تحمل مصاريف نفسه حتى ، فاستمر في محاولاته لإقناعهم ولكن بدون جدوى ، لتجد حياة نفسها مضطرة للزواج من مصطفى رغم انها لا تحبه ،
كانت ضغوط ابيها الكبيرة وعدم قدرة يحيى على انقادها من هذا الجحيم سببا في زواجها التعيس ،
امضت ما يقارب الستة اشهر مع زوجها مصطفى بدون حب و بدون مشاعر وبغياب تام لكل مقومات الزواج السعيد ، ففارق السن بينهما واختلاف عقليتهما جعل علاقتهما باردة وشديدة الملل وتتخللها مشاكل وسوء تفاهمات كانت تؤدي دائما الى مشاجرات وعنف ، ولما تشتكي لوالديها حالها المزري لا يقدمان لها اي حلول ،
بعدها استجمعت قواها وأخبرت زوجها بأنها لا تحبه وأن زواجها به كان مفروضا عليها من والدها وليس برغبتها وأنها كانت تحب شابا اخر وبينهما وعد ان يتزوجا في الصيف ،
لم يتقبل مصطفى كلامها اطلاقا وغضب غضبا شديدا ، فحاولت تخفيف غضبه ولكنه ضربها ودهب بها الى بيت والدها وصرخ في وجهه ممتعضا من فعله وأخبره انه لم تعد هناك اية علاقة بينهنا ولا بينه وبين ابنته وأنها طالق ولكل سبيله ،
كان الاب في حسرة شديدة من كلام مصطفى وأحس أنه فقد اعز اصدقائه ولكنه لم يفكر يوما في إبنته ،
أخدت الام ابنتها حياة واغلقت عليها في إحدى الغرف لكي لا يمسها غضب والدها ،
مرت ايام طويلة وصارت حياة طليقة بحكم المحكمة وشعرت انها خرجت من غرفة مظلمة الى النور ، بالرغم من أن والدها كان لا يكلمها ولا ينظر اليها ويمنعها من الخروج من المنزل ومن استعمال الهاتف ، وكان يعتبرها وصمة عار عليه ، أما أمها فكانت في صفها ولكنها تخفي ذلك خوفا من غضب زوجها ،
بعد مدة أخدت حياة كتابها المفضل وكتبت عليه بضع كلمات وانتظرت الى حين قدوم موزع فواتير الكهرباء وحين سلمها الفاتورة اعطته الكتاب ورجته ان يسلمه الى يحيى مقداد الساكن في شارع الهرم ، رفض في بادئ الامر طلبها ولكنها ألحت عليه وهو ما جعله يقبل في الاخير ،
مر من الزمن يومين حتى توصل يحيى بالكتاب من موزع الفواتير وعلم من فوره ان حياة هي من ارسلته له ، تسلم الكتاب وشكر الموزع واخده الى غرفته واغلق عليه الباب وقرأ الرسالة ،
انهالت دموعه فرحا بذلك واحس من خلال كلماتها مدى حبها له ووفائها بوعدها وتضحيتها من اجله ، فكم كانت فرحته كبيرة انذاك ، لم ينتظر كتيرا حتى رد على رسالتها وكتب لها انه سيعمل في الاشهر القادمة ليجمع مصاريف الزواج ووعدها انه سيفني جهده من اجل ذلك ، وأرسل الكتاب مع نفس موزع الفواتير ودفع له بعض النقود جزاءا له ،
توصلت حياة برسالة يحيى وتأترت من كلماته وعاهدت نفسها انها ستعمل ما في وسعها لتساعده ،
مرت ايام وأيام ويحيى يعمل ولا يكل ، أما حياة فكانت تحصل على بعض الاعمال البسيطة من جاراتها كالتنظيف وكي التياب وحضانة الاطفال وتحصل مقابلها على بعض المال ،
اصبح يحيى جاهزا واخبر والديه انه جمع قدرا من المال ويريد ان يتقدم لخطبة حياة وبعد اصرار كبير وافقوا على طلبه ، ودهبوا حاملين ورودا مختلفة الألوان الى منزل حياة وطلبوا يدها لابنهم يحيى ، كان الاب مترددا ولكن الام هذه المرة ساندت ابنتها وتحدت جبنها وقالت القرار بيد حياة فقط ،
ردت حياة بحياء وقالت انها موافقة إن وافق والداها، احس الاب من نظرات ابنته انها تحب يحيى وتود العيش معه وانه كان مخطئا حين ارغمها من قبل على الزواج من مصطفى ، فنهض وقبل رأسها وقال اليوم القرار قرارك ولا كلمة لي فوق كلمتك ، فقبلت يده وهي تدرف دموع الفرح وقالت انها تقبل الزواج من يحيى ، واختلطت دموعها مع ابتسامتها وكانت تبدوا وكأنها ستطير فرحا ، اما يحيى فابتسامته العريضة لم تفارقه مند دخوله المنزل ورؤيته لمعشوقته ،
مر شهرين على الخطبة ولبست حياة لباس الزواج الابيض الانيق ومشت بخطوات متتاقلة وهي تمسك يد زوجها يحيى أمام اعين الحضور الذين صفقوا واعجبوا بقصة حبهما ،
امضى العروسين أسبوعين خارج المدينة وتمتعا بأيامهما الاولى مع بعض وعادا الى الإسكندرية واستأجرا منزلا صغيرا وعاشا فيه حياتهما السعيدة .
يمكنك قراءة المزيد ، تفضل بزيارة موقعنا لدعمه www.maarouf95.com