لست مسافراً ، لكني أحب السفر وحدي ، أجلس وحدي ، آكل وحدي ، أتجول وحدي ، أشارك الأفكار مع الجميع...أحب أن أتيه في مدن لا أعرفها ، وأماكن أجهلها ، وأزقة لا أعرف دروبها ، معظم السفريات التي سافرتها ، كنت وحدي أمشي وحيدا وليس متوحداً ، أذكر ذات يوم في السعيدية ، تهت في جنح الظلام بدراجة هوائية وفي الرباط بمطاردة هوليودية ...هذا وأسافر بعض المرات لوحدي وأنا جالس في مكاني بكتاب أتصفحه أو شيء أفعله ، أو ذكريات أتذكرها ، أوروتين يومي أعيشه .. هذا أجمل ما في السفر أن تسافر في أي شيء ، وفي أي وقت كان أو أي لحظة تعيشها ، فقط إن أردت أن تسافر في الأفكار فإنك تحتاج إلى موهبة كبيرة وهدوء تام وتركيز مطلق ، حتى تستحضر تلك الأشياء الجميلة التي عشتها في السابق والتطلعات التي يمكن أن تحصل في المستقبل...لا زلت أتذكر جيدا تلك الكم الهائل من الأرانب خاصتي التي كانت في سطح منزلنا ، كانت أيام رائعة في حياتي أقضي أغلب أوقاتي مع الحيوانات الأليفة ، كنت أعتني بهم جيدا ، وهم فرحين مهللين يتطايرون ذهاباً وجيئة أمامي حينما أصعد اليهم بطعام أو شراب أقدمه لهم ، كانت تجربتي الأولى في تربية الحيوانات ، حيث أصبح جل أصدقائي من هواة هذه الأنواع من الحيوان ، كنا نلتقي غالبا أنا وصديقي رضى لإحضار الطعام عبارة عن عشب لهؤلاء الحيونات ، أصبح فوزي حتى هو مالكا لها رحمه الله ، مراد أيضا كان مربيا جيدا لها ، وفي نفس الوقت شريكا لي في البيع والشراء بأرجاء سوق البلاصا بمحل أبيه ...المهم اكتسبت خبرة ليس لها نظير بهذا الخصوص ، أصبحت خبيرا وتاجرا في الوقت نفسه ههه ، وخصوصا مع البيولوجي محمد رضى الروكي ، حينما كانت تلد إحداهم ، وكأنما هو عرس في الحي نعرض بعضنا البعض لمشاهدة هؤلاء الصغار والإستمتاع بالنظر اِليهم ، وأذكر ذات يوم أن الكلاب الشرسة كانت تطاردنا أثناء البحث لهم عن الطعام الذي كان عبارة عن عشب يوجد في مكان خارج المدينة ...آه .. لم أذكر صديقي الأول في الحياة خالد أبرون الذي كنا شركاء مع بعضنا البعض في هذا الأخير .. كان لديه دراجتان واحدة له وواحدة للعزيز عليه ، كنا نجول العالم المرتيلي بهذه الدراجات ، كان حلمنا الأول هو اقتناء دراجة هوائية رائعة في ذلك الوقت ، هذا كان حلمٌ رئيسي ، وكم أذكر ذلك اليوم المعهود ، الذي فاجأنا فيه يعقوب بتلك الدراجة الهوائية الرائعة الآتية من الديار الإسبانية من طرف أخيه منعم ، هو اليوم أيضا رحل وترك فراغا مهولا بالحي والمدينة ، أعانه الله وسدد خطاه في كل شيء ، وكلما تذكرته أتذكر في الوقت نفسه محمد أشرف والمغرب التطواني في سنة 2004 ، كم ضحكنا في تلك الليلة وفي الصباح نفسه ، رسمنا أحلاما وردية مع نادي المغرب التطواني ، حينما طلبنا هذا الرئيس بهذا الطلب..لكن هي أيام لن يطويها الزمن مهما حدث ، وكلما تجدد اللقاء نحييي هذه الذكرى من الذكريات الجميلة والرائعة..وحينما مرّت هذه المرحلة من الطفولة ، وكلٌ ذهب في حال سبيله ، هناك من تزوج ويسّر له الله في ذلك ، وهناك من غادر المدينة و يسّر له الله في ذلك ، وهناك أيضا من غير الحي و المغرب بالكامل ويسّر له الله في ذلك، وهناك من ساير حياته في اتجاه آخر مثل الدراسة أو العمل ، فجائتني فكرة الطيور المتفرقة من قول صديقي حمزة طالح ، نعم كلٌ سيذهب في اتجاهه ، وجائتني ذكريات عشتها في الثانوية ، وحضر ببالي رضى الزلجامي الذي توفى في رمضان الماضي، وفي نفس الوقت بحثت عن أوراق تركها عندي في أيام الجامعة وتذكرت أشياءاً غريبة أيضا مرت معه في الثانوية والجامعة ، و محمد كريكش الذي توفت له أمه وأخطأت في حقه لم أعزيه أو أواسيه حتى اليوم ، وسعيد أشباي الذي رحل من الوطن إلى أرض أخرى بعدما فقد صديقه وشريكه في العمل منتحرا .. وأيضا حينما اِنتقلت من مرحلة الطفولة الى مرحلة المراهقة ، وجدت فرقاً شاسعا في التفكير ، حيث كان الوقت في هذه المرحلة يجري سريعا في الثانوية دون توقف عن المطاردة والإرهاق ، ويقال في هذا الشأن أن المراهق مرهق لنفسه وأسرته ومجتمعه ، هل هذا صحيح أم العكس صحيح ؟ وأيضا هو ذلك الشخص الذي كان مسافراً وفقد جواز سفره فبقي تائهاً ، لا هو يفكر بالعودة ، ولا هو يفكر بمسايرة الطريق ، هذا هو تعريف الإرهاق والمراهقة ...وأيضا لا يمكنني أن أنسى الموسم التحضيري في الإبتدائية مع الأستاذ الطيب ، هو طيب كاسمه كان يفرق لنا الحلوى كل صباح قبل بداية الحصة ، وكنا ثلاثة وخمسين من التلاميذ في الفصل ، وأيضا الأستاذة أمينة في المستوى الثاني ، وأمينة وأمينة في المستوى الثالث فرنسية وعربية ، وهنا أتتني ذكريات غزيرة مع أستاذ المستوى الرابع محمد هندور والغازي وبنهنبل بالمستوى الخامس والسادس ، وبطبيعة الحال حينما تأتيك الذكريات فجأة من الماضي البعيد فإنك تستحضر أيضا كل الأصدقاء الّذين مروا معك في هذه الرحلة ، منهم سعد بنموسى الذي أصبح أستاذاً اليوم ، أتمنى له التوفيق في حياته، حيث أصبحنا لم نعد نلتقي كثيراً كما كنا من قبل في العرائش ، لكن لقاء بعضنا البعض في التذكار يكون أفضل ، وزكرياء الشريعة الذي ذهب بعيدا لإنهاء دراسته في ديار المهجر، وفقه الله وأعانه في ذلك ...وبطبيعة الحال كثير منهم من مرّت معهم لحظات خفيفة ظريفة في كثير من الأحيان وخصوصا هذه المرحلة في الحياة ، فقط لا يمكنني أن أذكر في هذا المقال كل من عشت معهم مراحل حياتي كلها .. ذاكرتي دائما ما تذهب إلى أقصى حدود الماضي البعيد ، فتأتي بذكريات بعثرها الزمن وطواها بطيات دقيقة بين طياته ، فنتذكر منها الأجمل ، ونبتعد فيها عن الأسوأ ، والبعد عن الشيء نسيانه يكون أفضل ، وإن كان النسيان صعباً في بعض الأحيان فالتناسي يكون أحسن بتغيير الحال من حال إلى أحسن الأحوال ، والصراحة تقال في البداية قررت أن أصمت عن هذه الذكريات ..لكني وجدت في الأمرصعوبة كبيرة تحتاج إلى موهبة أكبر.