في نهاية السبعينيات ومع تقدم التكنولوجيا وانتشارها بصورة كبيرة، وجد كبار رجال الأعمال والمستثمرين ورؤساء الشركات العملاقة حول العالم أنفسهم في مأزق كبير، حيث زاد توجه الناس نحو التكنولوجيا بشكل كبير وأصبح الاعتماد عليها شامل لأغلب نواحي الحياة وأنشتطها المختلفة، ما إنعكس ايجاباً في زيادة الطلب على مخرجات التكنولوجيا بمختلف أشكالها وأنواعها ومجالات استخدامها؛ وكان لزيادة الطلب الكبير هذا عنصر مفاجأة شكل ضغطاً هائل على الشركات الرائدة في المجال والتي كانت مقراتها وفروعها ومصانعها متشتته في بقاع مختلفة حول العالم، ما جعل الأمر يبدو صعباً بل وشبه مستحيل أن تلبي هذه الشركات تطلعات الناس واحتياجاتهم في ظل الظروف التي تواكبها، وعليه توحدت رؤى الشركات التقنية بشتى مجالاتها ورسّت على ضرورة سرعة إيجاد بقعة وموقع قادر على استيعاب أنشطة الشركات ودعمها؛ يشكل هذا الموقع مركزاً لتطوير المخرجات التكنولوجية وملحقاتها ويمثل قاعدة لإنطلاق هذه المخرجات إلى العالم، ومع بدأ الشركات اجراء عمليات البحث والمسح للمناطق المحتملة وضعت نصب أعينها على منطقة اشتهرت بصناعة رقائق السيلكون (الرقائق الإلكترونية) وأمتازت بخدمتها وولائها للعلم فكانت الموقع الأمثل.

ووادي السيلكون أو "سيليكون فالي" كما يطلق عليه هي منطقة واقعه على الناحية الجنوبية من خليج سان فرانسيسكو التابع لولاية كالفورنيا الولايات المتحدة الأمريكية؛ أشتهرت المنطقة في الأساس باستيطان منتجي ومطوري رقائق وشرائح السيلكون، وبكونها المنطقة المساهمة في ثلث الايرادات الاستثمارية من المشاريع الناشئة وخاصة المشاريع المتعلقة بالتكنولوجيا والتقنية الحديثة.

لماذا وادي السيلكون؟!

قد يتبادر في أذهننا أن السبب الأساسي الذي جعل الشركات التقنية حول العالم تجعل من وادي السيلكون موطنً لها؛ هي المواصفات الجغرافية والفنية للمنطقة والتي تقع في مكان شبه منعزل مع تمركزها في قلب العالم في الآن ذاته بجانب طبعاً عنها منطقة صناعية معروفة وقد اشتهرت بصناعة رقائق السيلكون والتي تعتمد عليها الكثير من الشركات في صناعة منتجاتها الالكترونية ما يعطي المنطقة أفضلية على بقية المناطق حول العالم، أو ربما نعتقد أن السبب في اختيارها هو تقّدير المنطقة للعلم والعلوم التكنولوجية لمجاورتها جامعة كامبردج العريقة والمعروفة بخدمتها للعلم ودعمها للمشاريع التكنولوجيا بالمنطقة، ناحيك طبعاً عن الدعم الحكومي غير المحدود أو المشروط للمشاريع والأفكار التكنولوجية، إلا أن كل ذلك لا يعتبر السبب الأساسي في ذلك، وإنما السبب في جذب هذه المنطقة لرواد الأعمال والمؤثرين وذوي الأفكار المبدعة هو ببساطة "عدم وجود قواعد" وذلك أن وادي السيلكون لا يُخضع أو يَخضع لقواعد وقوانين صارمه كبقية المناطق بالولايات الأمريكية، فقوانين وادي السيلكون تختلف تماماً عن القوانين السارية في باقي المناطق؛ فهي أقل صرامة بكثير وتخدم تطلعات الشركات بشكل أكبر (كما يقال عن المنطقة أباحات العديد من أشكال المحظورات كالمخدرات والمنتشيات البشرية ونحوها من الممنوعات في سبيل توفير بيئة بلا قيود تخدم مستّوطنيها وتحفزهم على الابداع) وقد أعتبر ذلك السبب الرئيسي لجذب المنطقة لهذا العدد المهوول من أصحاب الشركات والمشاريع الضخمه.

ما السر وراء تكدس الشركات في تلك البقعة (وحقيقة تبادل المعلومات):

اذا أمعنا النظر نجد عن مختلف الأدوات والأجهزة والبرامج التقنية القائمة على التكنولوجيا الحديثة ترتبط مع بعضها بشكل أو بأخر، فمثلاً شركة مايكروسوفت تحتاج لشركات تصنيع الحواسيب مثل IBM (سابقاً) وHp، وTOSHIBA ونحوها لاختبار وتوطيد منتجاتها المتمثلة في أنظمة التشغيل، وكذلك تحتاج أبل الوقوف على أخر التحديثات التي أجرتها سامسونج على هواتفها ومنتجاتها للخروج بتحديثات مواكبة والعكس، وتحتاج شركة فيسبوك (ميتا الأن) لبيئه تقنية بها وفرة من المبرمحين والتقنيين لادارة أنشتطها، ويحتاج غوغل أن يكون وسط هذه الشركات ويقف على أخر التحديثات والأخبار والمعلومات التي تتعلق بها (حيث لا يفوته شيئ أبداً)، وعليه فإن هذه الشركات تحتاج الى أن تكون ضمن بيئة واحدة ما يسهل عليها عملية تبادل المعلومات ويوفر عليها الوقت والجهد في حال عملها معاً ضمن مروع واحد أو مجموعة مشاريع وهو أمر يحدث كثيراً في بيئة الأعمال تلك، بالاضافة الى سهولة مناقشة رواد هذه الشركات ورؤساءها لامكانية التعاون المشترك فيما بينها وتبادل المنافع العامة.

كيف أصبح وادي السيلكون منبع الأفكار ووجهة رواد الأعمال الأولى:

على الرغم من وجود العديد من المراكز والقطاعات والبيئات التكنلوجية التي تحاكي وادي السيلكون؛ إلا أنه لا بزال المركز والوجهة الأولى لرود الأعمال حول العالم، فقد أهتمت القواعد والقوانين الخاصة بوادي السيلكون بجعله بيئة متكاملة ومناسبة لرواد الأعمال خاصة (حيث أنها لا تناسب أي توجهات أخرى غير ذلك) كما يتوفر بالمنطقة كل مصادر الالهام والتحفيز التي يحتاج اليها المبدعين لبدأ أنشتطعهم الخاصة، ناحيك عن الدعم الحكومي والاستثماري الكبير الذي يحظى به أصحاب الأفكار المبدعة والمبتكرة.

وقد كان وادي السيلكون مصدر إلهم ونقطة انطلاق الكثير من رواد الأعمال الناجحين على مر الزمان أمثال استيف جوبز وبيل غيتس، وحتى أولئك التي لم تكن بدايتهم الأولى في وادي السيلكون مثل ايلون ماسك، ومارك زوكربيغ وغيرهم.