ينفر اليابانيون من سمك السلمون، ولا يستخدمونه في السوشي (وهو طعام غير مطبوخ) ففي نظرتهم التقليدية، السلمون سمك غير نظيف، مليء بالطفيليات، فلا يؤكل إلّا مطبوخًا.

لكن في نهاية الثمانينات من الألفية الماضية، تغيّر كل شيء!

النرويج من أكثر البلدان التي تملك ثروة سمكية، وفي الثمانينيات كانت هناك مشكلة، انتاج كثير لسمك السلمون من دون شراء يوازيه، كان للسلمون النرويجي ميزة، وهي أنّه خالي من الطفيليات، حيث أنّهم اكتشفوا طريقة حفظ في تلك الفترة، تجعل السمك نظيفًا منها.

عيّنت الحكومة النرويجية رجلًا يُدعى ايريك أولسن لبيع هذا السمك للدول الخارجية، إيلسن فكّر بالحل، وقرّر الذهاب إلى أكثر البلدان استهلاكًا للسمك، اليابان.

لكن، كيف سيبيع النرويجيون السلمون "الموصوم بالعار" عند اليابانين؟ 

جمع أولسن في رحلة إلى اليابان المُدراء التنفيذيين لأكبر صناعات السوشي، وحاول في اجتماع بيعهم السلمون النرويجي، فقالوا له مستحيل! لا يؤكل من غير طبخ! واللون يجب أن يكون أقنى، وفيه رائحة، وشكله قبيح!

عرف أولسن أنّ التحدي الأكبر الذي يواجهه، ليس جودة المنتج، بل وصمة تاريخية مجتمعية لدى اليابانيين حول السلمون، وأصرَّ على تغيير هذه النظرة.

حاول بالحملات الاعلانية اقناع اليابانيين، لكنّه لم يستطع أن يقول: سمكنا خالي من الطفيليات! فسيشعر حينها الناس أنّهم يستخدمون المبيدات والسموم.

قام بحملة تركّز على المياة النقية النرويجية وأسماكها النظيفة، لكنّ هذا جعل اليابانيين لا يتقبّلون الأمر، وظنّوا أنَّ في النرويجيين روحًا استعلائية. اليابان أيضًا تملك مياه نظيفة! 

دعى أولسن أيضًا بعض المشاهير اليابانيين ليأكلوا سوشي السلمون مع أمير وأميرة النرويج، في سبيل الدعاية والترويج، لكن هذا لم يكن كافيًا حتّى.

كان هناك ضغط كبير على أولسن ليتخّلى عن أماله، ويجد وجهةً أخرى لصرف سمك السلمون، إلى قام بأُخريات حملاته الاعلانية، الحملة التي جعلته يؤمن أنّه سيدخل التاريخ بعدها.

قام أولسن بالاتفاق مع سلسلة متاجر مشهورة في اليابان، شركة تُدعى "نيشي ري" وباعهم أطنان من سمك السلمون، بخصم مغري جدًا، في مقابل أن يضعوا علامة "صالح للسوشي" على علبة السمكة.

نجحت تلك الحملة، وبدأ عدد من اليابانيين يُجرّب سوشي السلمون فضولًا، إلى أن ترسّخ اعجابهم. اليوم النرويج تشحن 140،000 طن من السلمون لليابان كل عام. والتصدير يشمل باقي الدول أيضًا. اليوم صناعة تربية السلمون في النرويج تُقدَّر بـ 9 بليون دولار. 

لعلَّ من الدروس التي تُستقى من هذه القصّة، أنّ أولسن جرّب الكثير من الحملات، ومنها حملات تستخدم المشاهير. المشاهير قد ينبّهون الناس إلى شيء، ويرفعون وعيهم. لكنّهم لا يغيّرون آرائهم. 

الحل كان عندما جرّب الخطة التسويقية الأبسط، عندما طبع عبارات "سلمون صالح للسوشي" على العُلب، وسوَّق للأمر كما لو أنّه طبيعي وعادي، ويحدث في كل يوم! 

ويمكن الاستفادة من الدرس أيضًا بطريقة أعمق، لعلّ أخطر أنواع التسويق هو الذي يصوّر أنّ الأمر عادي ويجري في كل يوم. لن يغيّر المشاهير آرائنا تجاه بعض القيم والمبادئ التي نؤمن بها، لكن إذا ضُخَّت مُدخلات في كلّ يوم، وهدفَت إلى تصوير الأمر على أنّه "عادي" فهنا مكمن الخطر، وهنا -وللأسف- تؤسر الضمائر.