ماذا أفعل؟

حسن اشتري بالخمسين دولارا جوارب أطفال رضع بيضاء وخيوط صوفية ملونة ثم قم بزركشة الجوارب بالخيوط, يمكنك أن تجد نماذج على اليوتيوب. التقط صورا احترافية بهاتفك للجوارب, ثم أنشئ صفحة فيسبوك وضع فيها صور الجوارب المزركشة وبعها بضعفي الثمن فتصبح لك 150 دولار, وسّع تجارتك ونوع منتجاتك من جوارب إلى قبعات وقمصان و بعد مدة استعن بأشخاص يساعدونك في العمل ثم اصنع لنفسك علامة تجارية خاصة بملابس الرضع, وهكذا تصير مليونيرا في ظرف ثلاثة أسابيع على أبعد تقدير.

مارأيك؟ سخيف أليس كذلك؟

كثيرا ما أجد نصائح مشابهة على مواقع التواصل الاجتماعي (ليس بنفس المبالغة, أبالغ لأسخر لمن لم يفهم).

 أريد مشروعا ببضع دولارات ماذا أفعل؟ فتنهمر التعليقات من طرف المبدعين الذين يرتجلون دراسة المشاريع ارتجالا ويختلقون سيناريوهات نجاح مستقبلية خرافية, وكيف توسع التجارة, وكيف تنجح بلا خسارة, وكأنهم رجال ونساء أعمال جهابذة...

وكما نقول بالمثل العامي: "لو كان الخوخ يُداوِي لداوى نفسه"...(من الديدان طبعا), فهؤلاء الناصحين أصحاب المشاريع بدولارين ونصف, إذا سألت أحدهم لماذا لا يطبق نصيحته هو ذات نفسه, أخبرك أنه مجرد ناصح أمين لا يريد أجرا!

بيع الوهم!

عزيزي لا يوجد مشروع بلا خبرات, كلنا يمكننا بيع الفول والحمص بالشارع أو البطيخ والرغيف على الرصيف, يمكنك أن تسميها مشاريع أيضا ولكن حال أصحاب هذه المشاريع لا يتغير مع مر السنين! العم صاحب عربة بيع الحلويات لا زال يبيع نفس الحلوى منذ ثلاثين عاما, والشاب الذي كان يصدح صوته في السوق بسعر الجوارب قبل عشر سنوات أحضر ابنه ليقوم بالمهمة بدلا عنه لأن صوته بح.

نعم إن كان مستواك المعيشي سيئا وكل ما ترغب فيه هو الكفاف والعفاف فلك أن تسأل عن مشروعات ب100 دولار وبلا خبرات, فلكل منا ظروفه التي لا يعلمها إلا الله, لكن لا تتوقع أن تتحقق سيناريوهات الناصحين العاطلين عن العمل لك بتحقيق الثروة.

قد يقول قائل أنه يعرف شخصا بدأ من الصفر, وأن ميليونيرا بمدينته كان قبل خمسين سنة حافيا لا يجد ثمن نعل, آه بلى! كلنا نعرف ذلك الشخص وكل مدينة بها ذاك الميليونير الذي كان متسولا, أغلبهم ترشحوا للانتخابات وفازوا حاليا أجل! أجل! بالمقابل السوق يعج بالفقراء والمطحونين طحنا يبيعون مختلف أنواع السلع ويمارسون مختلف أنواع الحرف.

أنا لا أروج للإحباط, يمكنك أن تنجح بلا شيء, وكلا! لست أناقض نفسي هنا !

صديقي! المشروع ليس بحاجة للمال بقدر ما هو بحاجة لدراسة وخبرة, حتى لو كان لك مال قارون ستخسره جميعا بلا دراسة وبلا خبرة, ما يمنع العم بائع الحلويات منذ ثلاثين عاما من التطوير هو عدم حظيه بفرصة تعليم وتكوين حقيقيين, هو بلا خبرات رغم تقدمه بالسن, لا يمكن لومه أو غيره, (شخصيا ألوم الدولة).

لذا إن أردت الاستثمار فعليك البدء بالاستثمار في نفسك وتطوير مهاراتك ومعارفك في عالم المال والأعمال والتجارة والتسويق والاقتصاد, والقوانين التجارية ومواكبة الجديد وتبني التغيير بدل الركون للتقليد, وأي مشروع تود خوض غماره ادرسه جيدا من شتى جوانبه مهما بدا بسيطا وسهلا لأنه قد لا يكون بالسهولة التي تتخيلها.

حينها فقط ستتمكن فعلا من النجاح بدولارين ونصف ولن تحتاج سيناريوهات رجال ونساء أعمال العالم الافتراضي الوهمي.