مهما كانت طبيعة الشركة، فإنها تمر خلال عمرها بمراحل تختلف حسب الزمن والمنزلة وحجم المنافسة وعقلية القائمين عليها، لكن ماذا لو كان هنالك شركات مريضة نفسيا؟

يقول المؤلفان "مانفرد كيتس دي فرايس" و"داني ميلر" في كتابهما "المؤسسة العُصـابية: التشخيص وتغييـر أساليب الإدارة " أن هنالك شركات تتسم بسلوكيات مشابهة للأشخاص ذوي الأمراض النفسية، تسببت في تعثر بعضها وفشل بعضها الآخر بشكل تام.

شخصيا، أعجبت كثيرا بهذا التشبيه الذي قدمه لنا الكاتبان، فأردت مشاركة أهم ما جاء فيه معكم.

1- الوسواس القهري

المصاب بهذا المرض لديه فكر متسلط عليه، يرغمه على الانشغال بتصرف تافه وتكراره مرارا، مثل غسل اليدين أو غلق الأبواب عدة مرات، رغم وعيه بغرابة هذا الفعل وانعدام الفائدة منه.

الشركة المصابة بالوسواس القهري تهتم بالتفاصيل بشكل مبالغ فيه، إذ تضع معايير صارمة للعمل، لا يجوز التساهل فيها، وإلا آلت المؤسسة كاملة إلى زوال.

ويضرب الكتاب المثال بشركة "مينوتشي" التي كانت رائدة صنـاعة مُحمــلات مقطورات السكك الحديدية، بمنتوجات ممتازة وفقا لمعايير جودة محكمة، قبل أن تظهر شركات صغيرة استطاعت صنع محملات ذات جودة مقبولة بمواد أقل قيمة وسعر أقل. وعوض أن تحاول "مينوتشي" مواكبة التوجه الجديد، واصلت الالتزام بمعاييرها ورفع أسعار سلعها، فخسرت جزءًا كبيراً من حصتها في السوق.

2- الشركة الدرامية

الشخص الدرامي شخص نرجسي، يحب لفت الانتباه واستثارة العواطف والتقليل من قيمة الآخرين، وكذلك الشركة الدرامية، التي تميل إلى المغامرة، وإبرام الصفقات الكبيرة غير المدروسة لمجرد حب الظهور، وتنفق أموالا كثيرة على الإعلانات في سبيل ذلك.

يذكر الكتاب شخصا يدعى "كين لين" صاحب شركة "Lane Corporation"، اشتهر بشراء شركات متعثرة وتحويلها إلى مؤسسات ناجحة في ظرف قصير، فنال ثقة وتأييد الكثير من المستثمرين، ليصبح ذلك هاجسه مع تضاعف قدرته على الاستثمار، ولكن الأمر تحول إلى هوس بالنسبة له، لمجرد حب المخاطرة والدراما، وعندما بدأ يستحوذ على شركات تمر بمتاعب حقيقية بدأ نجمه يأفل، لينتهي به الأمر بإزاحة نفسه من الشركة بقرار من المستثمرين والمصرفيين الذين أرهقتهم مساعيه الدرامية للاستحواذ.

3- البارانويا

يعتقد المصاب بالبارانويا أن الجميع يكرهونه ويحسدونه ويريدون به شرا، فلا يثق بأحد ويشكك بنوايا الجميع، أما الشركة البارانويد فترى أن كل شيء خارج أسوارها خطر عليها، خاصة من منافسيها، الذين لا شغل لهم سوى التجسس عليها وسرقة ابتكاراتها وزبائنها.

مثالنا هنا هو شركة "Paratech" المصنعة لأشباه الموصلات، التي كانت في فترة نمو، لكنها فشلت بعد ذلك بسبب تركيزها على منافسيها الذين يسبقونها بطرح منتجات مستوحاة من منتجاتها، فاتخذت نظاما داخليا صارما لتفادي سرقة أفكارها، يقتضي بتقسيم العمل إلى مستويات، لكيلا يفهم المنتوج الحقيقي إلى عدد قليل من موظفيها ذوي المناصب الحساسة، كما همدت الشركة إلى منح رواتب خيالية لموظفيها تفاديا لانتقالهم للعمل لدى المنافسين.

4- الاكتئاب

الشخص المكتئب يشعر بأنه مذنب وعديم القيمة، وليست له رغبة في الحياة ولا الاستمتاع بها، أما الشركة المكتئبة فكأنها لا ترغب في النجاح، ولا تشر بأنها تستحقه، فتجدها قليلة النشاط، تكرر نفسها باستمرار.

ضرب الكتاب مثلا بإحدى الشركات الأمريكية المحلية لصناعة الأغذية، التي لم ترغب أية شركة كبرى في الاستحواذ عليها، لأنها لم تتطور عبر السنين، لا من حيث أساليب الإنتاج ولا المنتجات نفسها ولا طريقة الخدمة ولا تصميمها العام ولا حتى المنطقة الجغرافية التي تنشط فيها.

اكتفت الشركة بتغير بعض التفاصيل الصغيرة مثل الملصقات على المنتجات، ورفع الأسعار عندما تحدث زيادة في النفقات، وشراء آلة جديدة مطابقة للآلة القديمة بالضبط.