كانت دائما امنيتي هي أن اتمكن يوما ما من اداء فرائض العمرة و ان ازور تلك البقاع المكرمة .والداي كان حلمهما هو اداء فريضة الحج و لا يفكران بالعمرة و دائما كنت اجيب لأي شخص يسألني عن امنيتي هي الذهاب الى العمرة. رغم انهم يفرضون المحرم ووالداي لا ينويان الذهاب و ربما تكون احدى الجمعيات حلا لي رغم انني متزوجة و لكن زوجي كان في بلاد اخرى و انا لن ابقى في انتظار احد لتحقيق اكبر حلم لي.

كنت دائما اخبئ القليل من مال وظيفتي التي اعرف انها ليست مستقرة و سأغادرها لذلك اردت ان اخبئ بعضا من المال.

فجأة جاء والدي في احد الايام و اخبرني ان كنت اريد الذهاب للعمرة فأجبته :طبعا اريد

قام والدي بجميع الاجراءات فرافقته هو ووالدتي.

أجمل ايامي و اصعبها كانت هناك..فلقد كانت اياما جميلة لأنه اخيرا تحقق حلمي و كانت صعبة لأن المسؤولين لم يوفروا لنا الفنادق التي قمنا بدفع ثمنها ..

كنت استنشق هواء الفجر في المدينة فأحس بالراحة و ادخل لأصلي بين الصفوف فأحس براحة أكثر.. لكن لم يعجبني الكثير هناك فالناس لا تتسامح فيما بينها و الكل يريد ان يسبق للخروج اولا... و اخر ما آلمني في المدينة المنورة هو دخولي لزيارة الروضة الشريفة ،كان هناك ازدحام شديد بين النساء و تدافع حتى ان المكلفات بالتنظيم يهربن...انتظرت كثيرا حتى قل الزحام قليلا فاستطعت ان ادخل مع والدتي فرأيت النساء يتدافعن وقفت للحظة و رأيت بعض النساء يمسحن الحيطان بأيديهن و يقبلنها..شاهدت فتاة يكاد ان يغمى عليها بسبب الزحام ووالدتها تبكي عليها و مازال الازدحام يشتد..شاهدت نساء يشكلن دائرة لتدخل احدى معارفهن وسط تلك الدائرة لتصلي و هكذا حتي يصلين جميعا.. لم أعد اتحكم في دموعي فها هو حلمي يتحقق و لكن لا استطيع ان أوذي احدا لأحققه فلن ازاحم احد و لن ادفع احد ..أردت فقط الخروج ..لحسن الحظ وجدت مكانا لاصلي فيه ركعتان ..فصليت و لم استطع ان احبس دموعي فقلت في نفسي عذرا يا رسول الله ..

خرجنا من ذلك الزحام و فرحتي لم تكتمل لأن ما شاهدته قد أحزنني كثيرا.

و عند ذهابنا الى مكة المكرمة تكررت نفس المشاهد... الغريب هو انني احس بالراحة التامة كلما وطئت قدماي ارض الحرم...و لكن حينما اشاهد التدافع و عدم الرحمة و لا احترام الكبير و لا الصغير احس بالحزن الشديد... حتى مكان الحجر الأسود لن يصل اليه سوى من يجيد فنون التدافع و الزحام و القتال...اصبحت فقط انظر الى تلك المناظر و كيف لا يفكرون ان الكل اتى للزيارة فالكل اتى الى هناك لنفس الغرض ..لكن لم يكن هناك نظام لا من الزائرين و لا من المسؤولين ...و كأننا في حرب مع الرجال حتى نصل للحجر الأسود ...او للطواف قرب الكعبة...لم اجد سوى ان حلمي تحقق و ان رجلاي وطئت تلك الأرض الشريفة...و ان الناس لازالوا يعانون من الجهل الشديد...حتى و ان تغيرت الأزمنة فقد كان الجهل من أشد ما لاحظته هناك...الكثير يقولون لي لا تقولي جهل..و لكنني كيف اسميه حين ترى التدافع الشديد بين الرجال و النساء و الأطفال و كبار السن و لا احد يفكر بالآخر سوى بنفسه سواء في الدخول للصلاة او الخروج منها.... عدت و كنت مريضة جدا حتى انني كنت حين انام احلم انني لازلت اسير بشوارع مكة...عدت و الكوابيس تلاحقني حتى لا ارى احدا قد تأذى من ذلك الزحام...مرت اربعة اعوام على عمرتي و لازلت اتذكر كيف كانت عينا تلك الفتاة تدور في رأسها بسبب الازدحام الشديد في المدينة...عدت و علمت ان هناك اشخاصا من واجبهم تعليم الناس و نصحهم ليدركوا طريقة المعاملة الصحيحة في تلك الأماكن المقدسة عوض افتاءات غير مفهومة...فإن كان الناس جاهلين فالكثير من الأشخاص يسمون انفسهم مفتين فليتقنوا عملهم.