ينادونني كافرة

وتلك الكلمة تلسع أشد من السيوف —

ليست من الغرباء،

بل من أولئك الذين يولّون وجوههم نحوي في ذات القبلة،

الذين يصفّون أيديهم بجانبي في الصلاة،

ثم يكسرون قلبي خارجها.

أسير بينهم

أولئك الذين يقولون: لا إله إلا الله،

ثم يتركونني وحدي في البرد.

يبتسمون بشفاههم

لكنهم يلعنونني بصمتهم،

كأن حبّي للمصطفَين

داءٌ وُلِدتُ به.

يا الله…

أنت الذي ترى سرائر قلبي،

أنت الذي تسمع الدعوات التي أهمس بها في وسادتي —

هل كان خطأً أن تعلّمتُ الحب من علي؟

هل كنت آثمة حين بكيتُ من أجل الحسين؟

يقولون: "أنتِ تعبدين الرجال."

لكنك أنت ربي،

ولا رب سواك.

أشهد أن لا إله إلا أنت،

وأن محمداً عبدك ورسولك.

ما قلتُ غير هذا،

ولن أقول.

لكن كيف لي أن أزيح قلبي

عن أولئك الذين طهّرتهم بنار لا تمس؟

كيف أنسى الخمسة تحت الكساء،

وقد سماهم النبي بأهل بيته،

حين وقف جبريل عند الباب

ولم يدخل حتى أُذِن له؟

يا الله،

إنهم لا يعرفون كيف يُحبّك المرء

من خلال من أحببتَهم.

لا يشعرون بما أشعر

حين أرفع يدي في الليل

وأقول:

"بحق دموع فاطمة… أجبني."

لا يرتجفون

عند ذكر كربلاء.

لا يبكون

عند صوت عطش سكينة.

هي عندهم مجرّد تاريخ

أما عندي، فهي جرح لم يلتئم.

يقولون إنني قد ضللتُ،

لكنني لا أبتعد عن الطريق

بل أمشي نحوه،

خُطى دامية

نحو التراب الذي سقط عليه الحسين،

نحو صرخات طفل عطشان

تردّدت في صحراء كربلاء.

عندهم، حزني بدعة.

وحبي تمرد.

وهويتي — زندقة.

فأخبرني،

ألم يبكِ النبي للحسن؟

ألم يحمل الحسين على ظهره؟

ألم يقل: "من أحبّهما فقد أحبّني"؟

فلماذا يزعجكم حبي؟

تعلنون التوحيد بألسنتكم

لكنكم تنكرون النجوم التي تدور حول شمس الهداية.

تكسون بغضكم بثياب التقوى

وتسمّونه دينا

لكن قلوبكم خالية من ألم فاطمة.

ومع ذلك

يسخرون من حدادي،

ويقولون إن مجلسي مهرجان أكاذيب،

وثيابي السوداء علامة جهل.

لكنهم لا يعلمون

أن السواد الذي أرتديه

هو رماد خيام أُحرقت في العاشر،

هو حزن أخت ترى رأس أخيها مرفوعاً للسماء،

هو صرخة زينب

حين نسيت السماء الرحمة.

لا يسمعون

تحطّم قلبي

حين أتصوّر طفلاً هامداً عند النهر،

أو رضيعاً اخترقه سهم

أطلقه رجل كان يزعم الإيمان.

لا يشمّون دخان الشام،

ولا يتذوّقون جوع السبايا.

ومع ذلك، ينادونني كافرة

كأن دموعي ليست صلاة،

وكأن قلبي ليس ساجداً

أمام دماء الصالحين.

يقولون: "أنتِ تعظّمين الرجال."

لكنني لا أعبد علياً —

بل أتّبعه

لأن النبي أشار إليه

حين عميت الأبصار.

أتّبعه

لأن الحق التصق به كما يلتصق النور بالنجوم.

ربي،

هل أُبغَض

لأنني فتحت صدري

لدماء من كرّمتَهم؟

هل أُقصى

لأنني اخترتُ درب

من تألّم في سبيلك؟

حين سألوني: من إمامك؟

قلت: علي،

لا لأنني نسيت النبي،

بل لأنه ما نسيه قط.

وحين سألوني: لماذا تبكين؟

قلت: من أجل الحسين،

لا لأنني أحب الحزن،

بل لأن رأسه رُفع

على رمح سجدَ لجدّه يوماً.

يا الله،

لقد طُردتُ

ممن يزعمون السير على صراطك المستقيم.

بنوا جدراناً

تفصل بيننا وبين الأمة،

ونقشوا على الحجر

ما لم يُكتب في كتابك.

ومع ذلك، لا أكرههم.

لا أستطيع.

أوَلم يبكِ النبي

حتى لمن رموه بالحجارة؟

أوَلم يبكِ علي

على قاتله؟

فأنا أبكي،

ليس للحسين فقط،

بل على من نسوه.

أبكي على أمةٍ قطعت جذورها

وتسائلت: لماذا لا تُثمر؟

أبكي لأننا مكسورون،

ولا أعلم كيف نُصلِح هذا

إلا بالدعاء.

وما زلتُ منفية

من أمتي ذاتها.

كأن حبي قد حرمني

من رحمة أرحم الراحمين.

لكن إن كان حب آل البيت

يجعلني منبوذة،

فدعني أتشرّف بالغربة

التي ذاقوها هم.

دعني أمشي حافية،

كما الأرامل في كربلاء.

دعني أنام على الحجارة،

كما سجاد في القيود.

دعني أحمل هذا الحزن،

إن كان فيه ذرة من نورهم.

يا رحمن، يا رحيم

إن كان هذا الحب جريمة،

فأنا أحملها برضا.

إن كان هذا الحزن عبئاً،

فدعه يُحطّمني.

نادوني بما شئتم.

أنا شيعية.

أنا خادمة لحزنٍ

انسكب من عيون النبي.

أنا نائحة

ما زالت تسمع همس الريح في كربلاء:

"هل من ناصر ينصرنا؟"

إن سَمَّوني كافرة،

فدعوهم يقولون.

أنت وحدك الحكم.

أنت وحدك العليم.

وتعلم

كنتَ دائماً تعلم

أن قلبي لم يكن يوماً ضدك.

بل كان مليئاً

بمن اخترتهم حباً واصطفاءً.

فدعني أُبعث

تحت راية من تركوه وحيداً،

دعني أدخل خلف سيدة النور،

دعني أُقبّل قدمي

الطفل الذي مات بين ذراعي أبيه

وإن نادوني كافرة،

فليكن،

في أعين من نسوا كيف يُحبّون.