مع نهاية الموسم الدراسي في الجزائر يفضل العديد من العائلات إرسال أبنائها إلى مدارس تعليم القرآن التي تسمى "المحاضر" أو "الزوايا"، من أجل حفظ ما أمكن منه، وهي ممارسة في كل صيف تحوّلت إلى تقليد في بعض مناطق البلاد..وفي الأرياف والصحراء الجزائرية وحتى المدن الكبرى، تنتشر بقوة هذه الظاهرة حيث تُفضل أغلب الأسر تسجيل أبنائها في الكتاتيب أو الزوايا من أجل تعلّم القرآن مع بداية عطلة الصيف السنوية.
ويعود تاريخ هذا التقليد إلى العهد الاستعماري، كما يقول بعض المختصين، حيث حافظت هذه الزوايا والكتاتيب على الهوية العربية الإسلامية للجزائر في مواجهة محاولات التنصير التي قامت بها فرنسا أثناء احتلالها للبلاد، طيلة 132 عامًا بين 1830 و1962.
ويقول مدرس قرآن وإمام مسجد من مدينة "بسكرة" (550 كلم جنوب شرق العاصمة الجزائرية): "نستقبل في كل صيف في المدرسة القرآنية الملحقة بمسجد علي بن أبي طالب في بسكرة ما لا يقل عن 300 تلميذ أعمارهم تتراوح بين 6 و14 عامًا بعضهم يأتي بغرض تعلم القرآن، والبعض الآخر يأتي لأنه مُجبر على ذلك بسبب ضغط العائلة".وأشار في إلى أنه "في شهر سبتمبر/أيلول من كل سنة تنظّم المدرسة القرآنية الملحقة بمسجد علي بن أبي طالب حفلًا كبيرًا لاستظهار ما حفظه التلاميذ من كتاب الله".
والمدارس القرآنية ملحقات أو مراكز تابعة لوزارة الشؤون الدينية والأوقاف، تقع داخل المساجد أو بمحيطها، يتم بناؤها على أراضٍ وقفية، ويعمل بها معلمون حفظة للقرآن كاملًا (60 حزبًا).ويبلغ عدد المدارس القرآنية في الجزائر حسب ما ذكره الموقع الإلكتروني لوزارة الشؤون الدينية؛ ألفين و360 مدرسة، موزّعة على 48 محافظة بالبلاد، تشهد القرآن إقبالًا واسعًا من التلاميذ.
ويقول أستاذ في التاريخ إن "بعض كتاتيب القرآن في الجزائر تحتفظ بنفس التقاليد المتبعة التي يعود تاريخ بعضها إلى أكثر من 7 قرون، ومنها إجازة الختمة التي يحصل بعدها طالب العلم الذي يختم القرآن أو بعض أجزائه على هدايا من سكان القرية والحي أو المصلين في الزاوية أو المسجد"، بحسب الأناضول.وأضاف: "لقد لعبت كتاتيب حفظ القرآن دورًا حاسما في الحفاظ على الهوية الإسلامية للشعب الجزائري ويجب أن نتذكر هنا مرحلة الاستعمار الفرنسي للجزائر، التي دامت 132 سنة وقبلها الاستعمار الإسباني لمدينة وهران وبعض المناطق القريبة منها، الذي تواصل قرنين من الزمن، وبرغم هذا بقي 97% من الشعب الجزائري على دين الإسلام".
بدوره قال إمام مسجد "أبو بكر الصديق" بالمنيعة (جنوب غرب) ، إن "بعض الزواياوكتاتيب تحفيظ القرآن في الجنوب الجزائري تتميز بتقاليد خاصة في التعامل بين الشيخ المعلم والطلبة". ويعود ذلك إلى تقليد توارثه هؤلاء من مشايخ السلف ،ومن توقيرهم لكبار العلماء كما تثبت ذلك النصوص الموجودة".
- وبمقر "الزاوية التيجانية" بمدينة تيارت (غرب) تُثير مشاهد طلبة العلم الصغار بملابسهم البيضاء وعماماتهم (غطاء الرأس) في بعض مناطق الجنوب الإعجاب والفخر لحفاظ هذه الكتاتيب على نفس التقاليد طيلة عدة قرون.ويتجمع العشرات من التلاميذ في غرفة واسعة ملحقة بمسجد الزاوية، يَتلُون سُوّر القرآن بطريقة جماعية، يتوسطهم مدرس القرآن بلباسه التقليدي الخاص بطلبة العلم، وبينهم أطفال صغار ومراهقون يتوافدون كل صباح بعد صلاة الفجر مباشرة على مدرسة حفظ القرآن بالزاوية، وتعمل المجموعة وفقًا لتقاليد يعود تاريخها إلى ما لا يقل عن 10 قرون.يقول الشيخ المرواني، وهو المشرف على هذه الزاوية : "لقد حافظت الكتاتيب على القرآن واللغة العربية فيالجزائر في أحلك الظروف".وأضاف: "لقد خرّجت مثل هذه الكتاتيب كبار الفقهاء والعلماء، يحفظ الطلبة الصغار وبعضهم لا يتعدى سنه 5 سنوات القرآن بطريقة اللوحة الخشبية التي تمحى بالطين وتكتب بالسمق وهو حبر تقليدي بني اللون".
التعليقات