أنا أكثر من أن أُعامل كعابرٍ مرَّ على الطريق ونُسى‌َ، أستحق أن تكون لى أولوية فى قلبِ من أُحب، أن أركن إلى تلك الحقيقة التى لطالما إطمئن بها المُحِب كلما نظر إلى روح محبوبه وهى أن لى عرشًا يتربع فى مكان ما فى هذا القلب، مكانًا ينزف لو ترنح هذا العرش عن قواعده المتينة ناهيك عن هدمه،

ما أصعب أن يتم هدمنا فى نفس من نُحب،أن يتم نسياننا،أن نصبح بمثابة زقاق فى الطريق بعدما كنا ممرًا رئسيًا،ولكن الأصعب هو أن تظل أنقاضنا تشقى بحبهم،وتأبى النفسُ إلا أن تَذكرهم وتسعى لتدرك طريقهم مهما طال وتَشَعَّبْ.

ليس هناك ما هو أكثر إيلامًا من أن ننظر إلى تلك العيون التى كانت مرايا لنا فى زمنٍ ما ورأينا فيها أرواحنا مرحةً نقية، فلا نرى إلا تلك النظرات الخاوية المشبعة بالخيبة والخذلان التى تغرق فيها أرواحنا بدلًا من النظرات الحالمة التى كانت تحتلها يوما ما.

ها أنا اتجول الأن فى حجرات روحى، أنتقل من غرفة لأخرى باحثة عن ذاك الشئ، الشئ الذى كنت أُكنُّه للبعض ذات مرة، تلك السعادة العارمة التى تنتابنى عند وجودهم وقربهم، ألخاطر الحلو الذى يمر بعقلى حين تُذكر أسمائهم عندى، وثرثرتى العفوية حين أحدثهم فى أى شئً وكل شئ، عن أحلامى وما أهواه وعن مخاوفى وما أخشاه،عن تلك الراحة أللامتناهية فى أن أكون انا بكامل انا بدون تكلف أو تزيين لما أقول وأفعل لأننى أثق بأن من أمامى سيتفهمنى ويقبلنى.

لست أجد أيا من هذا الأن، كل تلك الغرف فى قلبى صارت باردة مظلمة تمامًا كما صرت أنا صامتة وأحتسب خطواتى معهم بحرص، ما وجدته طاغيًا ومُعْييًا فى تنقلى البسيط هذا هو: أن غرف الحسرة والخذلان والإندهاش والإنكسار كانت مكدسة!! مكدسة بسخريتهم وكلماتهم المؤلمة ـ التى لطالما ارتدت ثوب"نحن نمزح" ـ و تجاهلهم وقلة إهتمامهم المقيت،ومواقفهم التى تقتلنى ببطئ حين أتفكر بها. وأيضًا بتعجبى منهم وغرابتهم علىّ وكأننى ما عرفتهم قط!!

مع الوقت بعون الله سأستطيع تفريغ تلك الغرف ايضا منهم وسأكف عن حبهم. ولكننى حينها سأكون أكثر حرصا على قلبى ولست أدرى كيف لى فعل ذلك؟!