تعلمت أن العالم يكون أجمل حينما يكف المجانين عن كتابة التاريخ،

ويكون مسلياً أيضاً حينما نرى هؤلاء وهم يوادون السفهاء ويمجدون حماقتهم.

هل كان العالم يوماً بدون أحداث وأخبار متسارعة، وتسابق مخيف للانفراد بأخبار الرعب العاجلة! .

أتذكر فترة الهدنة حيث العالم بدون حروب، أحسست وقتها بمثالية العالم والمشاهير ورجال الدين، لكن سرعان ما أفسد كل هذا إنتاجات هوليوود في السينما وبرامج التوك شو وخطب رجال الدين وإجتماعات الحكام التي كانت تنذر دائماً بإحتلالٍ قادم.

صُعقت حين علمت أن بعض مشاهد أفلام هوليوود كانت حقيقية، هذة الفانتازيا المرعبة، حينما كانت الدول العظمى تشبع شهوتها في تمزيق الضعفاء، هه لم ينشر توثيق ذلك وقتها؛ كانت كلها إنفرادات صحفيين بارعين في التسلط الخفي تندرج تحت التسابق المخيف بأخبار الرعب العاجلة التي تحدثت عنها سابقا، لم يكن يُسمح لأحد غيرهم بتوثيق ذلك لأنك يا بشرى ليس لك الحق في إزعاج هؤلاء وهم يشبعون ملذاتهم، حتى وإن كانت تلك الملذات تعتمد على دماء الأطفال والسكالى، ومن هنا أبعث بأقوى الصفعات لمن يُنكر وجود مصاصي الدماء بيننا.

سألتُ جوليا : فكري معي بإنصاف من السبب في تعكير صفو هذا العالم، الحكام أم الشعوب.... أم سكان المقابر.

ردت جوليا :للإنصاف عليك طرح السؤال بالصورة الصحيحة طالما تعزل الحكام عن أنهم من الشعب فتلك المشكلة.

لا يا عزيزتي إن وددت الإنصاف فسأعيد صياغة سؤالي بدون سكان المقابر، هؤلاء شجعان، إتخذوا أصوب قرار بالتنحي عن تلك الحياة، أتذكر يوم رحيل أدم، ذلك الطبيب البارع المسكين الذي خرج لمداواة جرحي الحرب ومات، الغريب أنه لم يمت بطلقات العدو ولا الوطن، بل متأثراً بجراحه حين تركته القيادة بلا إغاثة، طلقات العدو أصابته لكنها لم تقتله،يومياً يأتيني أثناء نومي، أرى نظراته وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة، والقادة يبيعون جسدة للأرض ويرحلون، نظرته ترعبني،الغريب أنه في بعض الأحيان أراه بعد أن فاضت روحه يقف شامخاً يبتسم لي ساخراً ثم يرحل، أكاد أفقد إيماني من شدة نظرات إستغاثته ووقع إبتسامته، حينما أرى نفسي مكانه؛موقن أنه تمنى أن يمده الله بالقوة لدقائق يقتل فيها هؤلاء الأوغاد بلا رحمة ثم يرحل في سلام وإحساس بالنصر أنه ذاهب إلى الحياة البرزخية تاركهم في رعبهم ولهوهم، لذا أنا مُصّر على فصل الحكام عن الشعوب يا جوليا، ولي الحق في ذلك.

عادت ذاكرتي تتكئ على المقعد المتدلي من روحي الخاملة،

رجعت للزمن الذي كان بالعالم فئتين؛ دولٍ تجهر بالاعتزاز بماضيها وتراثها، متحدين ويبجلون ملوكهم الفصحاء والممثلين البارعين أيضا، على الجانب الآخر حيث يجلس الشيطان على عرشه في قلوب وعقول حكام الدول العظمى أو حكام العالم إن صح التعبير، وكما نعلم أن لذة الشيطان تكمن في التفرقة، بدأ أتباعه حكام العالم بشراء ملوك الدول الأخرى، كان الغباء والمال والجنس نقط ضعفهم، لذلك إستطاع جنود لوسيفر أن يجروهم كالخراف إلى هلاكهم.

عجزت الدول التي كانت تعتز بماضيها، أما تراثها فقد تقاسمه جنود الشيطان، سرقوا شرفهم وعزتهم قبل تراثهم ، عجيب وصعب أن ترى مثل هؤلاء الشعوب يعيشون في الفقر والشهوات والأوبئة، بل عجيب أمرهم كانوا يملكون ما يجعلهم يسودوا العالم لكنهم منذ أن ابتعدوا عن جوهر السيادة وهو العلم وهم في حياة مزرية.

وماذا سيفعل العلم الآن وإلى أي مدى سيصل، العالم يحترق بالوباء، أعداد الضحايا في تزايد مفزع.

ردت جوليا :أتدري الأفزع في الأمر أن البشر أصبحوا في فزع من بعضهم، يتحاشون بعضهم خوف الإصابة بالمرض، لم يتكاتف البشر يوماً، أقسم أني طوال حياتي لم أرى إلا عكس ذلك، ضاقت عليهم الأرض بما رحبت، حدودهم مغلقة في وجه بعض، وضح جلياً الفارق العلمي بين الدول طبقاً لطرق التعامل مع الأمر،

العالم أصبح بؤرةً مرعبة.

أتتذكرين يا جوليا الهلع الذي كان يرتكز بالكوارث الإنسانية في بعض الدول، دول يُحرق فيها الأقلية الضعفاء ودول باع شرفها حاكم خائن فتوحش المجرمون بها، وغيرهم من الدول التي يأست من العالم الذي أدار ظهره لها إلا المغتصبين؛ ذلك الهلع أصبح يتجول كالزومبي في كل مكان.

العالم يجني ثمار تخاذله.

وأنا العليل ولستُ المذنب، لم أرقص التانغو بعد، ولم أذهب إلى الحقول اليابسة الواسعة التي يتجول بها دراويش يبحثون عن معاني العشق والحياة ، لا نمتلك سوى الإنتظار يا جوليا ، سأنتظر حتى يصبح هذا العالم بلا أحداث وأخبار متسارعة.