[النسيان نعمة]
كثيرا ما سمعت هاته العبارة أو قرأتها..و ظننت أنني فهمتها إلى أثبتت ذاكرتي العكس !
في خضم ألاف التفاصيل اليومية المنسابة بين لحظات جيدة و أخرى ثقيلة، ما الذي قد يكون نسيانه نعمة حقا؟ ماالذي قد يستوجب النسيان من أجل راحة الإنسان؟
و الأهم، مالذي يجدر بنا تذكره؟ و وفق أي معيار تتواتر عقارب ساعاتنا بين يدي الذاكرة؟
هل تستحق لقطات الألام المستريحة في مكان ما بين خفقة النبض و مرارة الحلق و إنحباس دمعة ساكنة، أن تنبعث في الذهن وقت ما تشاء، أم أن اللحظات السعيدة التي منحت الراحة للألام السابقة هي الأولى بكرسي في قطار الذاكرة؟
و علي أي حال، أفلتت مني هاته المعايير أيا كانت.
تُلاحقني أفلام الذاكرة منذ مدة، أوتار أو أطوار ذكريات تتلاعب بأعصابي.
ذكريات متفرقة، مُتَشَعِّبَة، ومُتَشَبِّعَة بأدق التفاصيل التي صقلتها بنفسي و وضَّحتُ و كبَّرتُ صورتها كلما كَبِرْت، لتكبر معي..
و أظن أنك فقط عندما تبدأ بالتخطيط للنسيان، بالتخطيط لتفادي مطب ما في طريق أفكارك و إختيار مطب أخر أقل وطأة، أو تغيير الخارطة تماما، أنذاك تفهم أنك أصلا عالق في ذاك المطب، و أن الفرق شاسع بين نعمة النسيان و عبثية التخبط في محاولته.
ولا أعلم لما بدت الجملة السابقة مبالغ فيها، لكني أعرف فعلا أن الغرق في شرائط الذاكرة عبثي جدا، الغرق في التفكير عموما ضرب جنوني من العجز و فقدان الطمأنينة.
و من ناحية، أظنني إعتدت كثيرا على فيض الذكريات، أصبحتُ أتلاعب بها أو تتلاعب بي بإحترافية حسب المواقف، كل موقف حاضر يفتح معه كل إحساس و حدث سابق يناسب السياق، لأعيش مجددا نفس الشعور مضاعف الشدة و مثقلا بطابع "القدر يعيد نفسه" "حظي يتكرر" و هو طابع لشد ما أمقته، لما يحمل من ضعف و إنهزامية، و من ألم يشعرني أن الماضي الذي لم أكن بالضرورة متحكمة به أو مسؤولة عنه، ماهو إلا إمتداد مستمر للحاضر الذي أحاول مُسْتَمِيتَة الإمساك بزمامه.
و كالعادة بدأ هذا النص بإتخاذ منحى أطول مما يمكن للمارة على حافة المزاج الرائق للقراءة، أن يبلغوه.
و أنا نفسي،
أفاوض مزاجي المتبلد ليمارس معي هذا النص فوق بياض الصفحات و أفاوض مخيلتي كي تساعدني على الكتابة من خلف ستار المجاز،
إلى أن تسرقني ألحان Chet baker فأسرح معها.. و أنسى أن أنسى..
- بـالندى
التعليقات