سمعت أحدهم يقول متنازعا مع شخص آخر :
"ليش الناس تزعل لما ينقال الحق" .
و أجبت في داخل نفسي دون حاجة للتفكير حتى : "لأن ما تراه حقا كسطوع الشمس ، هناك من يراه أزيف من صداقة عقرب" .
و ذكرني ذلك بقصة طريفة كنت قد قرأتها من قبل حول ثلاثة عميان جمعهم شخص و أحضر فيلا ثم قال لكل واحد منهم صِف لي الفيل !
أخذ الأول يتحسسه و هو لا يعرف حتى مالذي يقوم بلمسه ... و بعد أن غطت يداه كل زوايا أقدام الفيل ، صاح الرجل : الفيل هو أربع أعمدة قائمة !
و أتى دور الرجل الثاني الذي إلتقط خرطوم الفيل من الهواء ثم صاح هو الآخر : إن الفيل مثل الثعبان !
أما الرجل الثالث الذي سقط ذيل الفيل بين يديه فقد كان أول ما خطر له أن الفيل يشبه المكنسة !
و هكذا إحتدم القتال بين الرجال الثلاثة كل مؤمن بما أمسكه بيداه حد اليقين ، حتى أوقفهم الرجل و هو ممسك بفيله و مغادر و قال لهم : لو أنكم قمتم بجمع ما لديكم لكنتم عرفتم ما هو الفيل .
بغض النظر عن واقعية القصة إلا أن هذا ما يحصل دوما .. ما أنت مُصِر على أنه رقم 9 يراه من يعاكس إتجاهك رقم 6 و كلاكما محق .
ضيق الأفاق هو العائق الحقيقي أمام التقدم ، و في إحدى العهود - العهود المظلمة - كانت الكنيسة تقوم بحرق كل من يعترف بالعلم ، لزعمها أن ذلك تدخل في عمل الرب و إدعاء للإعجاز .. و غيرها من الأسباب ذات البعد الواحد .
و كما قال أحد المفكرين : يموت الإنسان عندما يتوقف عن التفكير .
و كيف للعقل أن يفكر في حين أنه قد توقف في كل مكان عند فكرة و سجلها بعنوان "غير قابل للنقاش" ، في النهاية أنت مجرد إنسان و يبدو لي أنه خلق الإنسان فبدء بخلق أخطائه الخاصة .
و قد ذكرت هذه الجملة متعمدا "فبدء بخلق أخطائة" ، فقد تمت مهاجمتي ذات مرة من إحدى الأفكار أحادية البعد أيضا التي تقول أن من يقول أن الإنسان يخلق هو كافر و مشرك ... الخ
و هو ذات الشخص الذي يقرأ قوله تعالى
(48) وَرَسُولًا إِلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُم بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ ۖ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُم مِّنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّهِ ۖ وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأُحْيِي الْمَوْتَىٰ بِإِذْنِ اللَّهِ ۖ وَأُنَبِّئُكُم بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَةً لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ (49)
" قال وهب : كان يطير ما دام الناس ينظرون إليه فإذا غاب عن أعينهم سقط ميتا ليتميز فعل الخلق من فعل الله تعالى " .
و أن الله قال عن نفسه
(13) ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ ۚ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ (14)
فالفرق شاسع .. الله يخلق من العدم و خلق الإنسان هو شئ مرتبط بمشيئة الله و مما أوجده الله أساسا و معنى الكلمة هنا بالنسبة للإنسان هي الصنع حسب ظني !
من هنا نعلم أن توسيع أفاق الإنسان يكون ثانيه التعلم !
أما اوله فهو إدراك الإنسان أنه إنسان و لا أساس لصحة انه أعلم من في الأرض ... فلا يجب التخلي عن كل معتقد بمجرد ظهور واحد آخر ، فيصبح الشخص مجرورا لا رأي له ، و لا أن يكون متحجراً متصلب الفكر لا يقبل غير ما يعرفه ، و لو بحثت عن هذه الأراء التي يتشبث بها ولو وَجَدَ هو ذاته خطئها لوجدتها أشياء تلقاها من غيره و هو طفل او سمعها في الأصل و ليست شئ وصل إليه عن قناعه !
في النهاية بدل أن يرى كل منا جزءاً من "الفيل" لماذا لا نقوم بجمع تلك الصور ، الفرضيات ، النظريات ، الأفكار لنرى الصورة المكتملة .