كاتب الموضوع: أبو الفداء ابن مسعود
الرابط الأصل:
العنوان الأصل: تحذير البرية من غثاء "التنمية البشرية" ومما يسمى بالبرمجة اللغوية العصبية!
الجزء الأول
المقدمة:
الحمد لله، والصلاة والسلام على محمد بن عبد الله وآله وصحبه ومن والاه أما بعد
فهذه رسالة "طويلة نوعا ما" كنت قد كتبتها حول فتنة شاعت وانتشرت بين شباب المسلمين في أيامنا هذه أشد الانتشار، ألا وهي فتنة ما يسمى بالتنمية البشرية والبرمجة اللغوية العصبية، وبقيت الرسالة عندي فترة قد انشغلت عنها. ولما اشتركت على هذا الموقع المبارك رأيت أن أنشرها عليه نصيحة لله تعالى سائلا اياه أن يرزقني الاخلاص وأن يجعل فيها النفع وأن يعفو عما وقع فيها من الخطأ والزلل، وموجها بها دعوة إلى اخوتنا طلبة العلم حفظهم الله في هذا الموقع الكريم إلى أن ينتبهوا الى هذا الخطر الداهم وألا يتهاونوا فيه، وفقني الله وإياكم الى كل ما يحب ويرضى، والله ولي التوفيق، والحمد لله رب العالمين.
ملحوظة: الرسالة على أكثر من جزء، اضطررت الى تقسيمها إليها لعدم كفاية الحيز المخصص لنشر الموضوعات لنشرها بطولها كاملة.
تحذير البرية من غثاء التنمية البشرية
ومما يسمى بالبرمجة اللغوية العصبية
الموضوع:
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين وآله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين..
أما بعد
اخوتي الكرام أحبتي في الله هذه رسالة أكتبها إليكم بشأن فتنة ظلماء جديدة بدأت تفشو في أمة المسلمين بسرعة مذهلة تحت شعار "العلم" واغتر بها الكثيرون غير متنبهين لأصولها وحقيقتها ومنابعها ومراميها حتى صرت أسمع كلاما عنها وعن دوراتها بين إخوة ملتزمين يقبلون عليها بلا بصيرة ولا حول ولا قوة إلا بالله! إنها فتنة ما يسمى بدورات التنمية البشرية على وجه العموم، وما يسمى منها بالبرمجة العصبية وما يتشعب عنها على وجه الخصوص.
الرسالة أعتزم بعون الملك المعبود جل وعلا أن أجعلها قصيرة ما أمكنني، ولكن لعل الضرورة الى بسط البيان إيصالا للفائدة تكون مقدمة على الحاجة إلى الاختصار في موضوع خطير كهذا، وتفصيل يورث إملالا خير من تقليل يورث إخلالا..
فأرجو المعذرة منكم إخوتاه إن وقع في رسالتي هذه بعض طول واستطراد في بعض المواضع، وأسأل الله لي ولكم الإخلاص والقبول، وأن ينفعني بها قبل أن ينفعكم أنتم يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.
أما بعد فتلك الظاهرة المسماة بمباحث التنمية الذاتية هذه قد بدأت في الظهور على الساحة الفكرية بانتشار واسع تحت هذا المسمى (التنمية الذاتية أو البشرية) منذ عهد قريب من الزمان!
ولكنها في أصلها وحقيقتها ليست جديدة على الإطلاق! إنما هي عنوان جديد فضفاض يدخل تحته محيط واسع من النظريات والأفكار والمعتقدات القديمة والأساطير وتتداخل فيه مجالات بحثية كثيرة بداية من علم النفس وعلم الاجتماع والطب ووصولا إلى التنجيم والسحر والوثنية والشعوذة ووحدة الوجود!
ولعل هذا التشابك المعقد بين رايات العلوم والنحل المختلفة التي تتحرك تحتها تلك الممارسات وتصطبغ بها عند أصحابها هو السبب في وقوع اللبس الكبير على كثير من فضلاء المسلمين واغترارهم بها، حتى رأينا بعض المشتغلين بالدعوة يتدربون عليها ويمارسونها ويتمسكون بموقف التفصيل وليس الإجمال عند الحكم على تلك الممارسات بصفة عامة، ويزعمون امكان تنقيتها وأسلمتها والانتفاع بها!
ولكن الذي ننتصر له ها هنا إنما هو القول المجمل الذي ذهب إليه عدد غير قليل من أكابر العلماء الذين تناولوا القضية وحققوا فيها تصورا يكفي لإطلاق حكم شرعي، فموقفهم يؤيده التأمل الشامل لأصل المسألة وجذورها وما تروجه تلك الممارسات بين المسلمين، وهو ما يقدم درءه على جلب منافع أخرى واقعة أو متوهمة في المقابل قد تظهر عند التفصيل في بعض تلك الممارسات، والله أعلم.
وجريا على سنة العلماء في البدء بشرح المصطلح، دعونا نبدأ أولا بسؤال خبراء الغرب – الذين باعوا تلك السلعة الخبيثة بيننا وروجوا لها والذين تتلمذ عليهم اخوتنا المفتونون بهذا الأمر هداهم الله - عما يقصدونه بالضبط من قولهم (التنمية البشرية أو الذاتية)..
التنمية البشرية هي كما يعرفها أصحابها: تنمية قدرات الانسان وتحسين أدائه على كافة الأصعدة، الشخصية، والمادية، والروحية، والمهارية، .. الخ.
إنك إن سمعت هذا الكلام قلت ما أحسن هذا! كل إنسان يريد أن يكون فائزا في الدنيا موفقا في كل ما يعمل.. ولكن ظاهر الأمر الرحمة، وباطنه من قبله العذاب!
فهي وباختصار، البديل"العصري" New Age الذي اكتشف السفهة بظنونهم النجسة أنه لابد من وضعه لإصلاح ما يمكن إصلاحه من فساد نفوسهم وتصوراتهم، فيكون لهم (نمط حياة) يضبط لهم كل شيء، لعلهم يجدون فيه الغنية عما ينقصهم إذْ رموا الدين الحق وشرعة السماء وراء ظهورهم!
فهو نمط حياة بالفعل، نمط مبرمج مرتب يتحتم على من يدخل فيه أن يسلم له نفسه وأن يخضع له خضوعا كاملا حتى يؤتي معه ثماره المزعومة! يأمرونه بأن يفعل كذا وكذا وأن يمارس كذا وكذا وأن يواظب على كذا وكذا، فيدعون أنه اذا ما فعل، تحقق له النجاح والفاعلية في حياته كما يزعمون. وهو يأتيهم طائعا راغبا مؤمنا مصدقا واضعا كافة عقائده وأفكاره بين أيديهم ليعيدوا صياغة حياته من جديد! يسلم لهم كما نسلم نحن لله!
فإن قلنا لهم أن يا سفهاء، لماذا تنكرون علينا وتلوموننا إذ نسلم عقولنا وقلوبنا للذي خلقنا ليصلح لنا حياتنا بما شرع وأمر وأنتم تسلمون أنفسكم للمشعوذين والدجاجلة والفلاسفة والأفاكين، قالوا بل أنتم السفهاء ولا عقل لكم!!
إن البشر جميعا لا غنى لهم عن نظام دقيق يرتب وينظم حياتهم ويأمرهم بالحكمة ويوجههم إلى ما فيه صلاحهم تفصيلا في كل شيء، وهؤلاء يقرون بذلك إن لم يكن بالمقال فبلسان الحال!
فإن قلت لهم خذوه إذًا من وحي السماء قالوا هذه أساطير الأولين!
فهذا أمر نعهده ونفهمه فيهم لأنهم قوم سفهاء ضالة لا سبيل لهم ولا هداية ولا نور، وقد نبأنا القرءان بأحوالهم! ولكن الذي لا يمكن السكوت عليه، هو أن يصبح أصحاب الحق وحملة وحي السماء وشرعة رب العالمين التي لا تستقيم حياة إنسان إلا بها، وبها وحدها، منقادين لما خرج من زبالة عقول هؤلاء المرضى بهذه الصورة المخزية!! فإن كلمتهم قالوا لك هذا علم! هذا نفع للمسلمين فلم لا نأخذ به؟؟! فإنا لله وإنا إليه راجعون!
إن (التنمية البشرية) هذه هي أشبه ما يكون بمظلة كبيرة متشابكة من المعتقدات والنظريات والفلسفات الفاسدة المبنثقة من أصول الحادية ووثنية، في مقتطفات انتقائية من كل ملة وكتاب في الأرض، تستوعب تحتها كما كبيرا من المهارات والممارسات والأفكار المتناثرة قليلة النفع – أو كثيرته أحيانا - والتي قد يمكن فصل وادخال كل فكرة مقبولة منها في سياق دورات تدريبية لمهارات مخصوصة في مجالات معينة واختصاصات معينة في العمل، بعيدا عن الأصول العقدية والمنابع التي تأتي مقرونة بها عند عرضها في اطار التنمية البشرية! بمعنى أنه ان تم تحليل المحتوى الذي يقدمه هؤلاء، لوجد أن أكثره يعرض التوحيد لخطر أكبر – مهما صغر - من أي نفع قد يرجى منه عند عرضه بهذه الصورة، وان كان ثم نفع فانه يمكن لأي مدرب محنك في أي مجال من المجالات العملية أن يدرب المحتاجين الى تلك المهارات في اطار عملهم، لا كقواعد حياتية عامة لكل انسان يوهم الناس أنهم لن ينجحوا مطلقا الا بها، ولا في سياق *(دورات التنمية) *هذه التي يفتتن الناس بها فيسلمون لها أنفسهم، وانما في صورة مهارات عامة مكتسبة في كل مجال عملي بحسبه، قياما على معتقد صحيح وبناءً على منهج اسلامي قويم.
إن هذا التنوع الكبير في موضوعات التنمية البشرية ومجالاتها هو سبب وقوع تلك الفتنة بهذا الكلام عند كثير من فضلائنا، هداهم الله. فالذين صنفوا فيها وأعدوا لها الدورات والندوات، جمعوا تحت عباءتها كما كبيرا من المهارات العملية التي قد يكون كثيرا منها ذا نفع اذا ما صح المعتقد الذي من ورائه، وقام على بنيان شرعي صحيح. ولن يكون ذلك إلا إذا انتزعت تلك المهارات من سياقها الفاسد الذي لا تأتينا إن أتتنا من عند هؤلاء الضالة إلا ملوثة به ومقرونة معه!
بمعنى أن تؤخذ كل مهارة نافعة لتوضع في سياق المجالب العملي الذي تخدمه تحديدا وإلا فلا حاجة إليها لأن الله أغنانا عنها بما شرع من شرائع إصلاح عام لكل صغيرة وكبيرة في حياة الإنسان! لا نريد زيادة على شرع الله إلا ما يرتبط ارتباطا مباشرا بمهارة عملية في مجال عملي بعينه، طالما كان المجال وكانت المهارة تلك من المباحات! أما هذا التلبيس على خلق الله فيجب منعه! يجب أن يمنع بث دورات تحت ذلك الشعار المجمل المبهم (التنمية البشرية) والذي يعتدي بمجرد منظوقه هذا على حق من حقوق الله تعالى وهو حقه في إصلاح البشر إصلاحا شاملا بما شرع ونزل من هدي الأنبياء ومن وحي السماء!
انظروا عباد الله إلى ما ترمي إليه وتناقشه – في المقام الأول - تنميتهم تلك...