لم يدر في خلد المبشر الأمريكي وعالم الأنثروبولوجيا جون ألين أنه يسعى إلى حتفه بقدميه، أو ربما أنه كان يدرك ذلك وأراد الموت في سبيل إيصال رسالة المسيح إلى شعب لا يفهم لغته بل ويظهر العداء له. لقي جون حتفه في جزيرة نورث سنتنيل إحدى جزر الأندامان التابعة للهند في المحيط.
يعود تاريخ شعب السنتنيليز في هذه الجزيرة إلى أكثر من 60 ألف سنة ويتحدثون لغتهم الخاصة التي لا تشبه اللغات في الجزر المجاورة لهم ولا يعرف التحدث بها أحد غيرهم. ليس لهم أي اتصال مع العالم الخارجي بل ويرفضون قدوم أي غريب إلى جزيرتهم. لا يعرف تعدادهم بالتحديد إلا أنه يقدر ما بين 40 إلى 500 شخص يعيشون حياة بدائية قائمة على الصيد مستخدمين الرماح والسهام كما يصيدون الأسماك بالحراب.
الجدير بالذكر أن السنتنيليز هم أحد قبائل الأناداما ويعتقد أن أصلهم من أفريقيا. بعض الشعوب الأنداما الأخرى المجاورة لهم كانت تعيش حياة بدائية إلا أنها لم تبدِ عداء للغرباء مثل الأنداميز والأونجي والجاراوا التي أصبحت أكثر تمدناً بعد الإتصال مع العالم الخارجي.
في أواخر القرن التاسع عشر وبتكليف من السلطات البريطانية وصل الضابط موريس فيدال ومعه مجموعة مسلحة إلى جزيرة نورث سنتنيل فهرب السنتنيليز إلى الغابة واحتموا بالأشجار، إلا أن موريس ومن معه استطاعوا إحضار ستة أفراد من السنتنيليز إلى بورت بلير عاصمة إقليم الأندامان ونيكوبار وكانوا رجلاً وامرأة وأربعة أطفال، توفي الرجل والمرأة بعد ذلك بقليل ويعتقد أنهما أصيبا ببعض الأمراض لأن شعب السنتنيليز ليس لديه مناعة ضد أنواع البكتريا والفيروسات السائدة في عالمنا. رأى موريس أنه من الحكمة إعادة الأطفال الأربعة إلى جزيرتهم ويعتقد أن تلك الواقعة تسببت في عداوتهم للغرباء الذين اختطفوا بعضهم وتسببوا في موت اثنين منهم.
ذهب عالم الانثروبولوجيا الهندي بانديت إلى الجزيرة ففروا إلى الغابة ولكنه عندما عاد إلى الجزيرة في رحلة أخرى قابله السنتنيليز بعداء واضح ولم يسمحوا له ومن معه بالدخول إلى جزيرتهم ولكنهم تقبلوا بعض الهدايا التي ألقيت لهم على الشاطئ. في رحلة أخرى أخذ بانديت معه واحداً من قبيلة الأونجي لعله يستطيع الحديث إليهم ولم يكن من الواضح أنهم يفهمون ما يقوله. وعندما أرادت ناشيونال جيوغرافيك تصوير فيلم عن الجزيرة قابلهم السنتنيليز بوابل من السهام أصاب أحدها مخرج الفيلم في فخذه. باءت محاولات السلطات الهندية في التواصل مع السنتنيليز بالفشل وأنتهى الأمر في تسعينيات القرن الماضي بإصدار أوامر تمنع الاقتراب من الجزيرة خوفاً من الاعتداءات التي قد يقومون بها تجاه الغرباء وكذلك خوفاً من نقل الأمراض إلى سكان الجزيرة.
لقي صيادان هنديان مصرعهما عام 2006 بعد أن جنح مركبهما إلى الجزيرة ليلاً ودفنهما السنتنيليز على الشاطئ وعندما حاولت السلطات استعادة الجثتين مستعينة بطائرة مروحية قابلهم السنتنيليز بالحراب فقامت الطائرة بالذهاب إلى الجانب الآخر من الجزيرة لخداعهم فتبعهم السنتنيليز إلى هناك فعادت الطائرة بسرعة واستطاعوا استعادة إحدى الجثتين، وعندما أعادوا الكرة مرة أخرى انقسم السنتنيليز إلى قسمين تبع بعضهم الطائرة إلى الجانب الآخر من الجزيرة وبقي البقية في حراسة الجثة فعادت الطائرة أدراجها بجثة واحدة تاركة الأخرى في الجزيرة.
حذر العديد من البحارة جون ألين من الذهاب إلى الجزيرة إلا أنه قام برشوة بعضهم ليذهبوا به إليها في جنح الظلام وبالرغم من العداء الذي أبداه السنتنيليز له إلا أنه كان مصمماً على أن يطأ الجزيرة بقدميه ليوصل إليهم رسالة المسيح، استمرت محاولاته ثلاثة أيام وفي كل مرة يقابلونه بالعداء إلا انه في يوم السابع عشر من نوفمبر عام 2018 طلب من البحارة الرحيل وتركه معهم بمفرده فقتله السنتنيليز ولم تفلح السلطات الهندية في إحضار جثته من الجزيرة.
انقسم المعلقون على خبر وفاته ما بين حزين ومتعاطف معه لموته من أجل ما يؤمن به وبين واصف له بالغباء لمخالفته لأوامر السلطات وأنه كان حرياً به احترام رغبتهم في البقاء على عزلة من الآخرين.
للمزيد عن السنتنيليز ،،