يعتقد كثير من الناس بأن الوصول لحياة مستقرة – من الناحية الجسدية والنفسية – يعتمد فقط على الأكل والشراب وممارسة التمارين الرياضية. في الصغر كانت أمهاتنا تهتم اهتماما بالغا بتناول الأبناء أكبر كمية ممكنة من الأكل!! تسعى حثيثا لنترك اللعب ونأكل وتشرح لنا أهمية الأكل، حتى إنه – في بعض الأحيان - قد يصل الأمر للضرب إن لم يأكل الصغير ... نعم، للأكل أهمية كبيرة، ومن أساسيات الحياة أيضًا، لكن ... هل الأكل فقط هو العمود الأساسي لقيام حياة الإنسان؟!

بالطبع كلا ... فطبيعة خِلقة الإنسان التي خلقه الله عليها تتكون من جزأين أساسيين، لا يقل أحدهما أهمية عن الآخر، هما: الجسد والروح. كلنا يعلم ذلك، لكنها للوهلة الأولى تُشعرك بالمفاجأة!! المشكلة بالنسبة لقطاع كبير جدا من الناس أنه يولي اهتمامه كله لجسده (الطعام والشراب والرياضة وغير ذلك)، وهناك قطاع آخر لكنه قليل عن سابقه يعطي لجسده 70% مثلا من اهتمامه و30% لروحه الداخلية، وهذا أيضا خطأ.

الجسد والروح يكمل أحدهما الآخر، ولا حياة لأحدهما بدون الآخر، فلا بد من إعطاء نفس نسبة الاهتمام لكل واحد منهما.

كلنا يعلم غذاء الجسد، والذي هو الطعام والشراب على اختلاف أنواعهما، أما غذاء الروح، ما هو؟

العلم، نعم .. العلم هو غذاء الروح. لما خلق الله الإنسان وجعله مكونا من هذين الجزأين لم يتركه هَمَلا بلا غذاء يناسب كل جزء فيه، بل خلقه وخلق له الغذاء المناسب لكل من الجسد والروح، فخلق للجسد الطعام والشراب، وأنزل للروح الوحي – العلم - الذي به تستقيم الحياة الفكرية والاجتماعية.

كما أن الجسد إذا تُرِك بدون الغذاء المخصص له سيموت، أيضا إذا تُرِكت الروح بغير غذاء ستموت. هل سألت نفسك يوما: لماذا انتشرت الأمراض النفسية والعصبية في هذه الأيام؟! لماذا لم تكن موجودة في السابق بهذه الكثرة؟! لماذا تزداد انتشارا في كل يوم عن سابقه؟! كل هذه التساؤلات إجابتها: أنهم تركو غذاء الروح ففسدت، ومع الوقت ستموت.

نعم .. العلم حياة الروح، فيجب على الإنسان أن يهتم بتنمية نفسه وذاته دينيا وفكريا وثقافيا، لتزداد مهاراته وخبراته وتتوسع مداركه، ويتفتح عقله، ويرسم لنفسه الطريق الواضح الذي يسير فيه، وبالتالي سيتجنب طرق الضلال والجهل التي توصل إلى الأمراض التي ذكرناها، وغيرها من الانحرافات التي تظهر كل يوم في المجتمع – على المستوى الأخلاقي والفكري -.

إذا دققت النظر جيدا فيما ذكرته لك، ستجد أن هذا هو طريق التقدم والرقي – في كل المستويات - والذي نسعى إليه ونحلم به. إذا كان الإنسان مستقر جسديا وصحيا، ومستقر أيضا نفسيا وذاتيا، بالتالي سينشط لبناء بيئة صحية تنموية رائدة، وبالتالي مجتمع متحضر متفوق.

والآن .. أخبرني: هل فكرت يوما بوضع خطة لتنمية ذاتك ونفسك علميا وثقافيا ودينيا؟!