اليوم هو أول مقال فعلي لي في مجتمع حاسوب ،، وبعد تفكير طويل في موضوعه و تزامنا مع ذكرى ولادة العلامة عبد الرحمان إبن خلدون .. إرتأيت أن يكون المقال حوله .. الشخصية الغير متوقعة بالنسبة لعصره ....... لم يكن إبن خلدون مؤرخا ولاسياسيا ولا مؤسسا لعلم الإجتماع فقط بل كان حضارة بأكملها .. يعود أصله ”اليمني الحضرمي” إلى الصحابي الجليل ﻭﺍﺋﻞ ﺑﻦ ﺣُﺠْﺮ ، ﺍﻟﺬﻱ ﺩﻋﺎ ﻟﻪ ﺍﻟﻨﺒﻲ - ﺻﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ - ﺑﺎﻟﺒﺮﻛﺔ ﻳﻮﻡ ﻭَﻓَﺪ ﻋﻠﻴﻪ ﻓﻲ ﻋﺎﻡ ﺍﻟﻮﻓﻮﺩ ﻣﻌﻠﻨًﺎ ﺇﺳﻼﻣﻪ ، حفظ القرآن في سن صغيرة ، وفي بلدي تونس لازلنا نعرف المسجد الذي كان يرتاد إليه إبن خلدون المعروف بمسجد القبة ،،،، لم يحفظ القرآن وحسب بل درس الفقه والحديث والعلوم اللسانية وعلوم المنطق والرياضيات ...... سيرة إبن خلدون تمتد بعد ذلك بداية من دخوله معترك الحياة السياسية وصولا إلى وضعه تحفته التي ستبقى محفورة في التاريخ .. الكتاب الذي يعرف إختصارا ب"ديوان المبتدأ والخبر" والذي مهد إليه بما يعرف اليوم ب"المقدمة" .. والقارئ لمقدمة إبن خلدون سيرى أن ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺮﺟﻞ، ﻛﺎﻥ ﻳﺨﺘﺰﻥ ﺗﺮﺍﺛﻪ، ﻭﻳﻌﺮﻑ ﺇﻣﻜﺎﻧﺎﺕ ﺃﻣﺘﻪ ﺍﻟﺤﻀﺎﺭﻳﺔ ﻓﻲ ﺍﻻﻧﺒﻌﺎﺙ، ﻭﻳﺪﺭﻙ ﺃﻥ ﺍﻟﻮﺍﻗﻊ ﻧﺘﺎﺝ ﺧﻄﺄ ﻓﻲ ﺍﻟﺮﺅﻳﺔ، ﻭﻓﻘﺮ ﻓﻲ ﺍﻟﻔﻜﺮ، ﻭﺿﺒﺎﺏ ﻓﻲ ﺍﻟﻮﻋﻲ ﺍﻟﺤﻀﺎﺭﻱ .. إن أمتنا أحوج ما تكون لإبن خلدون جديد .. هذا العالم التقي الزاهد والذي كان عبقريا بشهادة الغرب والشرق ، لا أستطيع إنصافه بالكلمات فقط ، لننظر كمثال بسيط إلى إسهاماته في 'فن التاريخ' كما فضل هو تسميته .. إبن خلدون كان مؤرخا ليس كالمؤرخين ، فسر التاريخ وفهمه كما لم يفهمه أحد قبله ، بل يمكننا القول بأن كتابة التاريخ يمكن أن تقسم إلى قسمين :”عصر ما قبل إبن خلدون” و”عصر ما بعد إبن خلدون” ، قال عنه المؤرخ أرنولد تويمبي بأنه واحد من أعظم العباقرة إن لم يمكن الأعظم بينهم كما أنه يقول في كتابه "دراسة التاريخ" بالحرف الواحد : ” إبن خلدون وضع في مقدمته فلسفة للتاريخ ، هي بلا شك أعظم عمل من نوعه إبتدعه عقل في أي زمان ومكان”

ﻭﺃﻣﺎ ﺍﻟﻤﺆﺭﺥ ﺍﻟﻌﺎﻟﻤﻲ ‏( ﺭﻭﺑﺮﺕ ﻓﻠﻨﺖ ‏) ، ﻓﻴﻘﻮﻝ ﻋﻦ ﺍﺑﻦ ﺧﻠﺪﻭﻥ ﻓﻲ ﻛﺘﺎﺑﻪ ﺍﻟﻀﺨﻢ : " ﺗﺎﺭﻳﺦ ﻓﻠﺴﻔﺔ ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺦ" :

" ﺇﻧﻪ ﻻ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﺍﻟﻜﻼﺳﻴﻜﻲ ﻭﻻ ﺍﻟﻨﺼﺮﺍﻧﻲ ﺍﻟﻮﺳﻴﻂ ﻗﺪ ﺃﻧﺠﺐ ﻣﺜﻴﻼً ﻟﻪ ﻓﻲ ﻓﻠﺴﻔﺔ ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺦ، ﻫﻨﺎﻙ ﻣﻦ ﻳﺘﻔﻮﻗﻮﻥ ﻋﻠﻴﻪ ﻛﻤﺆﺭﺥ ﺣﺘﻰ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﻤﺆﻟﻔﻴﻦ ﺍﻟﻌﺮﺏ، ﺃﻣﺎ ﻛﺒﺎﺣﺚ ﻧﻈﺮﻱ ﻓﻲ ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺦ، ﻓﻠﻴﺲ ﻟﻪ ﻣﺜﻴﻞ ﻓﻲ ﺃﻱ ﻋﺼﺮ ﺃﻭ ﻗُﻄْﺮ، ﻟﻢ ﻳﻜﻦ " ﺃﻓﻼﻃﻮﻥ " ﺃﻭ " ﺃﺭﺳﻄﻮ " ﺃﻭ " ﺳﺎﻥ ﺃﻭﻏﺴﻄﻴﻦ " ﺃﻧﺪﺍﺩًﺍ ﻟﻪ، ﻭﻻ ﻳﺴﺘﺤﻖ ﻏﻴﺮﻫﻢ ﺃﻥ ﻳُﺬﻛﺮ ﺇﻟﻰ ﺟﺎﻧﺒﻪ، ﺇﻧﻪ ﻳﺜﻴﺮ ﺍﻹﻋﺠﺎﺏ ﺑﺄﺻﺎﻟﺘﻪ ﻭﻓﻄﻨﺘﻪ ﺑﻌﻤﻖ ﻭﺷﻤﻮﻝ، ﻟﻘﺪ ﻛﺎﻥ ﻓﺮﻳﺪًﺍ ﻭﻭﺣﻴﺪًﺍ ﺑﻴﻦ ﻣﻌﺎﺻﺮﻳﻪ ﻓﻲ ﻓﻠﺴﻔﺔ ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺦ، ﻛﻤﺎ " ﺩﺍﻧﺘﻲ " ﻓﻲ ﺍﻟﺸﻌﺮ، ‏ ﻭﺭﻭﺟﺮ ﺑﻴﻜﻮﻥ ﻓﻲ ﺍﻟﻌﻠﻢ، ﻟﻘﺪ ﺟﻤﻊ ﻣﺆﺭﺧﻮ ﺍﻟﻌﺮﺏ ﺍﻟﻤﺎﺩﺓ ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺨﻴﺔ، ﻭﻟﻜﻨﻪ ﻭﺣﺪﻩ ﺍﻟﺬﻱ ﺍﺳﺘﺨﺪﻣﻬﺎ"

ﻭﻳﻘﻮﻝ ﻋﻨﻪ ﺟﻮﺭﺝ ﺳﺎﺭﺗﻮﻥ : " ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻓﺤﺴﺐ ﺃﻋﻈﻢ ﻣﺆﺭﺧﻲ ﺍﻟﻌﺼﻮﺭ ﺍﻟﻮﺳﻄﻰ ﺷﺎﻣﺨًﺎ ﻛﻌﻤﻼﻕ ﺑﻴﻦ ﻗﺒﻴﻠﺔ ﻣﻦ ﺍﻷﻗﺰﺍﻡ، ﺑﻞ ﻛﺎﻥ ﻣﻦ ﺃﻭﺍﺋﻞ ﻓﻼﺳﻔﺔ ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺦ، ﺳﺎﺑﻘًﺎ : ﻣﻴﻜﺎﻓﻴﻠﻲ، ﻭﺑﻮﺩﺍﻥ، ﻭﻓﻴﻜﻮ، ﻭﻛﻨﺖ، ﻭﻛﻮﺭﻧﻮ ”

هذا إبن خلدون رجل التاريخ فحسب ، فماذا عن إبن خلدون السياسي أو الفقيه .. ماذا عن إبن خلدون المؤسس لعلم بأكمله يدرس اليوم في هارفرد وستانفور هو علم الإجمتاع .. القارئ لمقدمته يرى أنه موسوعة بأكملها .. تلك ال’المقدمة’ ستجعلك تنظر للعالم بطريقة مغايرة .. لقد تركنا نحن العرب تراثنتا ، منبهرين بالحضارة الغربية ، غير مدركين إلى أن شخصا مسلما واحدا في الماضي كان يزن حضارة بأسرها .. لقد تركنا إبن خلدون وكتاباته ولهثنا وراء التفاهات من فيسبوك وأنستغرام و واتس أب .. والعجيب أن 'مارك زاكربورغ' المالك لكل هذه التطبيقات إنتهى مؤخرا من قراءة ”مقدمة إبن خلدون” وأثنى عليها أيما ثناء .. سأقوم مستقبلا إن شاء الله بعمل تلاخيص لفصول من المقدمة وأرجوا تحقيق الإفادة للجميع وأخير أترككم مع مجموعة من الأقوال لإبن خلدون :

”ﺇﻥ ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺦ ﻓﻲ ﻇﺎﻫﺮﻩ ﻻ ﻳﺰﻳﺪ ﻋﻦ ﺍﻹﺧﺒﺎﺭ ﻭﻟﻜﻦ ﻓﻲ ﺑﺎﻃﻨﻪ ﻧﻈﺮ ﻭﺗﺤﻘﻴﻖ ”

”ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺦ ﻓﻦ .. ﻳﻮﻗﻔﻨﺎ ﻋﻠﻰ ﺃﺣﻮﺍﻝ ﺍﻟﻤﺎﺿﻴﻦ ﻣﻦ ﺍﻷﻣﻢ ﻓﻲ ﺃﺧﻼﻗﻬﻢ ﻭﺣﻀﺎﺭﺍﺗﻬﻢ ﻭﺍﻷﻧﺒﻴﺎﺀ ﻓﻲ ﺳﻴﺮﻫﻢ ﻭﺍﻟﻤﻠﻮﻙ ﻓﻲ ﺩﻭﻟﻬﻢ ﻭﺳﻴﺮﺗﻬﻢ ﺣﺘﻰ ﺗﺘﻢ ﻓﺎﺋﺪﺓ ﺍﻻﻗﺘﺪﺍﺀ ﻓﻲ ﺃﺣﻮﺍﻝ ﺍﻟﺪﻳﻦ ﻭﺍﻟﺪﻧﻴﺎ”

”الطغات يجلبون الغزاة”

”إتفق العرب أن لا يتفقوا”

"رﺏّ ﻗﻮﻡ ﻗﺪ ﻏﺪﻭﺍ ﻓﻲ ﻧﻌﻤﺔ ﺯﻣﻨﺎً .. ﻭﺍﻟﻌﻴﺶ ﺭﻳّﺎﻥ ﻏَﺪﻕ .. ﺳﻜﺖ ﺍﻟﺪّﻫﺮ ﺯﻣﺎﻥ ﻋﻨﻬﻢ .. ﺛﻢّ ﺃﺑﻜﺎﻫﻢ ﺩﻣﺎً ﺣﻴﻦ ﻧﻄَﻖ ”

بالإمس كانت ذكرى ولادة هذه القامة الفكرية .. أرجوا أن تنظروا في مقدمته وأنتظروني مع كتابات أخرى .