اثبات بطلان نظرية دوران الارض بالقران الكريم
المجلد الأول من فتاوى ابن عثيمين - رحمه الله - :
( 25 ) سئل فضيلة الشيخ : عن دوران الشمس حول الأرض ؟
فأجاب بقوله: ظاهر الأدلة الشرعية تثبت أن الشمس هي التي تدور على الأرض، وبدورتها يحصل تعاقب الليل والنهار على سطح الأرض وليس لنا أن نتجاوز ظاهر هذه الأدلة إلا بدليل أقوى من ذلك يسوغ لنا تأويلها عن ظاهرها . ومن الأدلة على أن الشمس تدور على الأرض دوراناً يحصل به تعاقب الليل والنهار ما يلي :
قال الله تعالى عن إبراهيم في محاجته لمن حاجه في ربه : ﴿ فإن الله يأتي بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب ﴾ . فكون الشمس يؤتى بها من المشرق دليل ظاهر على أنها التي تدور على الأرض.
وقال أيضاً عن إبراهيم : ﴿ فلما رأى الشمس بازغة قال هذا ربي هذا أكبر فلما أفلت قال : يا قوم إني بريء مما تشركون ﴾ . فجعل الأفول من الشمس لا عنها ولو كانت الأرض التي تدور لقال : " فلما أفل عنها".
قال تعالى : ﴿ وترى الشمس إذا طلعت تزاور عن كهفهم ذات اليمين وإذا غربت تقرضهم ذات الشمال ﴾ . فجعل الازورار والقرض من الشمس وهو دليل على أن الحركة منها ولو كانت من الأرض لقال :يزاور كهفهم عنها، كما أن إضافة الطلوع والغروب إلى الشمس يدل على أنها هي التي تدور وإن كانت دلالتها أقل من دلالة قوله: ﴿ تزاور ﴾ ﴿ تقرضهم ﴾ .
وقال تعالى : ﴿ وهو الذي خلق الليل والنهار والشمس والقمر كل في فلك يسبحون ﴾ ، قال ابن عباس رضي الله عنهما : يدورون في فَلَكَة كَفَلَكَة المغزل . اشتهر ذلك عنه.
وقال تعالى : ﴿ يغشي الليل النهار يطلبه حثيثاً ﴾ . فجعل الليل طالباً للنهار، والطالب مندفع لاحق، ومن المعلوم أن الليل والنهار تابعان للشمس.
وقال تعالى : ﴿ خلق السماوات والأرض بالحق يكور الليل على النهار ويكور النهار على الليل وسخر الشمس والقمر كل يجري لأجل مسمى ألا هو العزيز الغفار ﴾ ، فقوله: ﴿ يكور الليل على النهار ﴾ أي يديره عليه ككور العمامة دليل على أن الدوران من الليل والنهار على الأرض ولو كانت الأرض التي تدور عليهما لقال : " يكور الأرض على الليل والنهار" . وفي قوله : ﴿ كل يجري لأجل مسمى ﴾ المبين لما سبقه دليل على أن الشمس والقمر يجريان جرياً حسياً مكانياً لأن تسخير المتحرك بحركته أظهر من تسخير الثابت الذي لا يتحرك.
وقال تعالى : ﴿ والشمس وضحاها . والقمر إذا تلاها﴾ . ومعنى ﴿ تلاها ﴾ أتى بعدها وهو دليل على سيرهما ودورانهما على الأرض ولو كانت الأرض التي تدور عليهما لم يكن القمر تالياُ للشمس بل كان تالياً لها أحياناً وتالية له أحياناً لأن الشمس أرفع منه والاستدلال بهذه الآية يحتاج إلى تأمل.
وقال تعالى : ﴿ والشمس تجري لمستقر لها ذلك تقدير العزيز العليم 0 والقمر قدرناه منازل حتى عاد كالعرجون القديم 0 لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر ولا الليل سابق النهار وكل في فلك يسبحون ﴾ . فإضافة الجريان إلى الشمس وجعله تقديراً من ذي عزة وعلم يدل على أنه جريان حقيقي بتقدير بالغ، بحيث يترتب عليه اختلاف الليل والنهار والفصول ، وتقدير القمر منازل يدل على تنقله فيها ولو كانت الأرض التي تدور لكان تقدير المنازل لها من القمر لا للقمر . ونفي إدراك الشمس للقمر وسبق الليل للنهار يدل على حركة اندفاع من الشمس والقمر والليل والنهار.
وقال النبي صلي الله عليه وسلم لأبي ذر رضي الله عنه وقد غربت الشمس: " أتدري أين تذهب؟" قال : الله ورسوله أعلم. قال : " فإنها تذهب فتسجد تحت العرش فتستأذن فيؤذن لها، فيوشك أن تستأذن فلا يؤذن لها فيقال لها : ارجعي من حيث جئت فتطلع من مغربها ". أو كما قال j ، متفق عليه ، فقوله : " ارجعي من حيث جئت ، فتطلع من مغربها " ظاهر جداً في أنها تدور على الأرض وبدورانها يحصل الطلوع والغروب.
الأحاديث الكثيرة في إضافة الطلوع والغروب والزوال إلى الشمس فإنها ظاهرة في وقوع ذلك منها لا من الأرض عليها.
ولعل هناك أدلة أخرى لم تحضرني الآن ولكن فيما ذكرت فتح باب وهو كاف فيما أقصد. والله الموفق .
مفتاح دار السعادة : 2/55
قال شيخ الإسلام ابن قيم الجوزية :
( فصل : طلوع الشمس على العالم
ثم تأمل الحكمة في طلوع الشمس على العالم ، كيف قدره العزيز العليم سبحانه ، فإنها لو كانت تطلع في موضع من السماء فتقف فيه ولا تعدوه لما وصل شعاعها إلى كثير من الجهات ، لأن ظل أحد جوانب كرة الأرض يحجبها عن الجانب الآخر ، فكان يكون الليل دائماً سرمداً على من لم تطلع عليهم ، والنهار دائماً سرمداً على من هي طالعة عليهم ، فيفسد هؤلاء وهؤلاء .
فاقتضت الحكمة الإلهية ، والعناية الربانية ، أن قدّر طلوعها من أول النهار من المشرق ، فتشرق على ما قابلها من الأفق الغربي ، ثم لا تزال تدور وتغشى جهة بعد جهة ، حتى تنتهي إلى المغرب ، فتشرق على ما استتر عنها في أول النهار ، فيختلف عندهم الليل والنهار ، فتنتظم مصالحهم ) ا.هـ .
يضاف إلى الأدلة ما يلي :
- قوله تعالى : ﴿ حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ وَوَجَدَ عِندَهَا قَوْمًا قُلْنَا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَن تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَن تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْنًا ﴾ .
قال ابن عثيمين - رحمه الله - : ( قوله تعالى : ** حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ } من المعلوم أن المراد هو المكان الذي تغرب الشمس فيه ، وهو البحر ؛ لأن السائر إلى المغرب سوف يصطدم بالبحر والشمس إذا رآها الرائي وجدها تغرب فيه .
( وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ ) هي أرض البحر ** حَمِئَةٍ } مسودَّة من الماء ، لأن الماء إذا مكث طويلاً في الأرض صارت سوداء ، ومعلوم أنها تغرب في هذه العين الحمئة حسب رؤية الإنسان ، وإلا فهي أكبر من الأرض ، وأكبر من هذه العين الحمئة ، وهي تدور على الأرض ، لكن لا حرج أن الإنسان يخبر عن الشيء الذي تراه عيناه بحسب ما رآه .
( وَوَجَدَ عِنْدَهَا ) أي عند العين الحمئة وهو البحر ) ا.هـ .
- قوله تعالى : ﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ وَلَوْ شَاء لَجَعَلَهُ سَاكِنًا ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلاً 0 ثُمَّ قَبَضْنَاهُ إِلَيْنَا قَبْضًا يَسِيرًا ﴾ .
قال السعدي - رحمه الله - : ( أي : ألم تشاهد ببصرك وبصيرتك كمال قدرة ربك ، وسعة رحمته ، أنه مد على العباد الظل ، وذلك وقت طلوع الشمس ﴿ ثم جعلنا الشمس عليه ﴾ أي : على الظل ﴿ دليلاً ﴾ ، فلولا وجود الشمس ، لما عرف الظل ، فإن الضد يعرف بضده .
﴿ ثم قبضناه إلينا قبضاً يسيراً ﴾ فكلما ارتفعت الشمس تقلص الظل ، شيئاً فشيئاً ، حتى يذهب بالكلية ، فتوالي الظل والشمس على الخلق ، الذي يشاهدونه عياناً ، وما يترتب على ذلك من اختلاف الليل والنهار وتعاقبهما ، وتعاقب الفصول ، وحصول المصالح الكثيرة بسبب ذلك - من أدل دليل على قدرة الله وعظمته وكمال رحمته وعنايته بعباده ، وأنه وحده المعبود المحمود ، المحبوب المعظم ، ذو الجلال والإكرام ) ا.هـ .
- قال ابن عثيمين - رحمه الله - في فوائد قوله تعالى : ﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ﴾ :
( 13- ومنها : الرد على علماء الهيئة الذين يقولون : إن إتيان الشمس ليس إتياناً لها بذاتها ؛ ولكن الأرض تدور حتى تأتي هي على الشمس ؛ ووجه الرد أن إبراهيم قال : ** فإن الله يأتي بالشمس من المشرق } ؛ إذاً الله أتى بها من المشرق ؛ وهم يقولون : إن الله لم يأت بها من المشرق ؛ ولكن الأرض بدورتها اطلعت عليها ؛ ونحن نقول : إن الله لم يقل : ( إن الله يدير الأرض حتى تُرى الشمس من المشرق ؛ فأَدِرْها حتى تُرى من المغرب ) ! ويجب علينا أن نأخذ في هذا الأمر بظاهر القرآن ، وألا نلتفت لقول أحد مخالف لظاهر القرآن ؛ لأننا متعبدون بما يدل عليه القرآن ؛ هذا من جهة ؛ ولأن الذي أنزل القرآن أعلم بما خلق : قال الله تعالى : ** ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير } [الملك: 14] ؛ فإذا كان [ الله سبحانه وتعالى ] يقول في كلامه : إن الشمس : « تأتي » ، و « تطلع » ، و « تغرب » ، و « تزول » ، و « تتوارى » ؛ كل هذه الأفعال يضيفها إلى الشمس ؛ لماذا نحن نجعلها على العكس من ذلك ، ونضيفها إلى الأرض !!! ويوم القيامة سيقول الله لنا : ** ماذا أجبتم المرسلين } [القصص: 65] ؛ لا يقول : ماذا أجبتم العالم الفلكي الفلاني ، على أن علماء الفلك قديماً وحديثاً مختلفون في هذا ؛ لم يتفقوا على أن الأرض هي التي بدورانها يكون الليل والنهار ؛ وما دام الأمر موضع خلاف بين الفلكيين أنفسهم ؛ فإننا نقول كما نقول لعلماء الشرع إذا اختلفوا : « إن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول » بل نقول : لو جاء علماء الفلك بأجمعهم ما عدلنا عن ظاهر القرآن حتى يتبين لنا أمر محسوس ؛ وحينئذ نقول لربنا إذا لاقيناه : إنك قلت - وقولك الحق- : ** لا يكلف الله نفساً إلا وسعها } ، وقلت : ** اتقوا الله ما استطعتم } [التغابن: 16] ؛ ونحن ما وسعنا إلا أن نقول : إن قولك : ** وترى الشمس إذا طلعت } [الكهف: 17] أي إذا طلعت رأي العين ؛ لا في حقيقة الواقع ؛ لأننا علمنا بحسنا ، وبصرنا بأن الذي يكون به تعاقب الليل والنهار هو دوران الأرض ؛ أَمَا والحس لم يدل على هذا ؛ ولكنه مجرد أقيسة ونظريات ، فإنني أرى أنه لا يجوز لأحد أن يعدل عن كلام ربه الذي خلق ، والذي أنزل القرآن تبياناً لكل شيء لمجرد قول هؤلاء ) ا.هـ .
- وقال - رحمه الله - في تفسير قوله تعالى : ﴿ وترى الشمس إذا طلعت تزاور عن كهفهم ذات اليمين وإذا غربت تقرضهم ذات الشمال ﴾ :
( وفي قوله تعالى : ** إِذَا طَلَعَتْ تَزَاوَرُ } ** وَإِذَا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُم } دليل على أن الشمس هي التي تتحرك وهي التي بتحركها يكون الطلوع والغروب خلافاً لما يقوله الناس اليوم من أن الذي يدور هو الأرض ، وأما الشمس فهي ثابتة ، فنحن لدينا شيء من كلام الله ، الواجب علينا أن نجريه على ظاهره وألا نتزحزح عن هذا الظاهر إلا بدليل بَيِّن، فإذا ثبت لدينا بالدليل القاطع أن اختلاف الليل والنهار بسبب دوران الأرض فحينئذ يجب أن نؤول الآيات إلى المعنى المطابق للواقع ، فنقول : إذا طلعت في رأي العين ، وإذا غربت في رأي العين ، تزاور في رأي العين ، تقرض في رأي العين ، أما قبل أن يتبين لنا بالدليل القاطع أن الشمس ثابتة والأرض هي التي تدور وبدورانها يختلف الليل والنهار فإننا لا نقبل هذا أبداً ، علينا أن نقول : إنَّ الشمس هي التي بدورانها يكون الليل والنهار ، لأن الله أضاف الأفعال إليها والنبي صلى الله عليه وسلم حينما غربت الشمس قال لأبي ذر : " أتدري أين تذهب ؟ " فأسند الذَّهاب إليها ، ونحن نعلم علم اليقين أن الله تعالى أعلم بخلقه ولا نقبل حدْساً ولا ظناً ، ولكن لو تيقنَّا يقيناً أن الشمس ثابتة في مكانها وأن الأرض تدور حولها ، ويكون الليل والنهار ، فحينئذ تأويل الآيات واجب حتى لا يخالف القرآن الشيء المقطوع به ) ا.هـ .
شكرا لكم جميعا
التعليقات