كيفَ تقنعُ شخصًا لا يعترفُ بالمغالطات المنطقيّة؟

بالمناسبة، منطقيًّا، لا يوجدُ سوى ردّين منطقيّين على النتيجة الخاطئة: إمّا أنّ المعطيات خاطئة، أو استُعمِلت مغالطةٌ منطقيّة، لذا نصفُ الردود ستكون حول المغالطات المنطقيّة تقريبًا، وبهذا قد تبدو متكرّرةً، لكنّها ضروريّة.

لا ألعبُها سبحان الله، تأتي لوحدها مباشرةً :)

تناقشتُ مع أحدِهم قبل أسبوع عن أصعبِ لغةٍ في العالم، كان يقولُ بأنّها العربيّة بينما كنتُ أُخبِرهُ بعدم وجودِ معيارٍ أو لغةٍ تُعتبرُ الأصعب، وبعد كلّ المغالطات المنطقيّةِ التي استعملَها (الاحتكام إلى السلطة، والشخصنة، والاحتكام إلى العاطفة، وغيرها) كتبتُ لهُ ما يُشبُه البحثَ العلميَّ -إن صحّ التعبير- بلغةٍ علميّةٍ محايدة جمعتُ فيها تصنيفات المنظّمات والمراكز اللغويّة لأصعبِ لغةٍ في العالم بالنسبة لفئاتٍ متنوّعة، ثم أضفتُ بعض آراء اللغويّين، ثم في الختام صفحتان من ما يقاربُ العشرةَ مصادر، قرأتُها عليه، والردّ: "أنتَ إنسانٌ فارغُ المهام، ولا تمتلكُ فكرةً تُدافعُ عنها، فاسكت، واجلس رجاءً".

لا أعرفُ في أيِّ قسمٍ أُصنّفُ هذا.

بودّي أن أُصبِح بتفكيرِ هذه الفتاة، لكن، لا أستطيع، ببساطةٍ هذا مستحيلٌ عليّ كما يبدو، حاولتُ كثيرًا، عندما أرى شخصًا يقولُ بأنّ الموسيقى حرام أو التطوّر غيرُ صحيح -لا أقولُ هنا بأنّ كلامهُ خطأ، ولكن أقصدُ أن يختلف معي قمّة الاختلاف- فإنّني أُضغطُ بأسناني على لساني وأُكوّرُ قبضتي وأشدُّ ملابسي، رغمَ أنّهُ لا يتكلّمُ معي رُبّما، ولكن حديثُه بغير منطقٍ عن هذِه الأمور يستفزّني حدّ الجنون، ولا أحتملُ حتّى أجدُني قد رددتُ عليهِ بسبعة آلاف كلمة، لا أحتملُ أن أتركَ شخصًا أعرفُ أنّ بإمكاني إقناعهُ على الأغلب، لا أجدُها عادةً، بل واجبًا، عملًا نبيلًا، أمرًا لا بدّ من أن تقوم به كما تُنقذُ الغرقان في الماء، مثل حديث من كتمَ علمًا.

أودُّ أيضًا أن تشرحي موضوعَ النقاشِ الأساسيَّ إن أمكن، لو قلتُ لكِ: أنتِ لم تحفظي القرآن فكيف تنصحين بالصلاة؟ كيف ستردّين؟ ستقولين بأنّ هذِه مغالطةٌ منطقيّة تُدعى الشخصنة، فما هي الشخصنة؟ ولماذا هي خطأ؟ لماذا اتفق الناسُ على أنّها خطأ؟ هكذا بالنسبة لبقيّة المغالطات الأشهر.

لن يقتنِعَ هكذا، مع الأسف.

للتوِّ رأيتُ هذا التعليق.

لأنّني لا أودُّ تحفيز ثقافةِ الطلبِ والسؤال في موقعٍ نقاشيٍّ كهذا، الصحيح هو أن أطرَحَ موضوعًا وأطلبُ رأيًا، لا أن أطرحَ سؤالًا وأطلُبُ إجابَة.

المحصلة ليست صفرًا؛ فهناك من قد يأتي (غير الطرف المُتنَاقش معه) ليقرأ تعليقاتكما، فيستفيد مما تقول، ويتبيّن له خطأ الطرف الآخر.

للتوِّ عدتُ إلى هُنا وقد فكّرتُ بردٍّ جيِّد.

ألا نقول: جريمةٌ أخلاقيّة؟ مخالفةٌ قانونيّة؟ المقصدُ فيها ليس أنّ فعل الجريمةِ كان أخلاقيًّا بل حدثَ جرمٌ في المجالِ الأخلاقيّ وكذلِكَ في المثالِ الثاني.

ألم أشرح لكَ في نقاشٍ سابِق لما تُسمّى بهذا الاسم؟ أم كانَ شخصًا آخر؟

لأن كون هذه المسألة مغالطة منطقة، ليست حجة من الأساس لضحد المسألة. وعلى العموم الناس متفقون على المسائل المنقطية بالفطرة، أما هذه المغالطات (حسب رابط ذكرته سابقًا) فلا تزال منقوصة ولا يمكن الإتكال عليها في كل مكان، فهي فضفاضة ويمكن أن تُلوى لإنكار ما لا يمكن إنكاره بالعقل المحض.

المغالطةُ المنطقيّة ليست حجّةً لضحد مسألة، وهذا لا يذُمُّها مثلًا، ولكنّها اختصارٌ للردِّ على من يستعمِلُها نوعًا ما، أي بدل أن تشرَحَ لهُ لمَ عليهِ أن يقدّمَ الدليل بنفسِه، تقولُ له: هذه مغالطةُ عبئ الدليل. وإن كان يفهمُ أنّ الناس اتفقوا منطقيًّا على منطقيّةِ المغالطات المنطقيّة فسيعرِفُ أنّ كلامهُ خطأ. المغالطةُ المنطقيّة لا تقولُ بأنّ نتيجتَك خاطئة (إن قال شخصٌ هذا فقد غالطَ مُغالطةَ المغالطة، هكذا اسمُها) بل أنّ طريقة ترتيبِك واختيارك وعرضِك لمُعطيات الحجّةِ خاطئة.

ما دليلُك على أنّها منقوصة؟ وكيف لا يُمكنُ الاتكالُ عليها؟ ولماذا هي فضفاضة؟ وهلّا أثبتَ لي أمرًا لا يُمكنُ إنكارُه على أنّهُ مغالطةٌ منطقيّة؟

ومسألة الشخصنة ليست في كل المواضع خاطئة؛ فقد يكون هناك أحد المستقلين يتحدث عن إنجازاته، فترد عليه بأنه كذا وكذا وكذا (شخصنة بحتة). وحينها لا يمكن لهذا المستقل أن يرد بأن هذه مغالطة منطقية، وإلا سيكون ساذجًا لا أكثر.

واضحٌ أنّ فهمَك لمعنى المغالطةِ المنطقيّة مع احترامي مغلوط، من نُقطتِك هذه وباقي نقاطِك، ما سبقَ وما لحق.

تحدّثُ المستقلِّ عن إنجازاتِه ليست نتيجةً منطقيّةً قُدِّمَ بها حججٌ وما إلى ذلك، بل هي من الكلامِ العادي، كأن تقول: صباح الخير! فهذه الجملة ليست منطقيّةً وليست غير منطقيّة، كما أنّها لم تُقدّم حُججًا لتُغالِطها، كذلك قولُ المستقلّ، لم يُقدّم حُججًا، بل موادًّا يُمكنُ أن تختلِفَ فيها الآراء، وفي المنطِق -غالبًا- لا توجدُ آراء، بل منطق فحسب، ولكنّني أُخبرُكَ بما يجعلُ حديثكَ مع هذا المستقلّ مغالطةً منطقيّة: الشخصنةُ مع هذا المستقلِّ هو أن يقولَ للعميل: أنا ذو خبرةِ عشرين سنة، عملتُ مع أكبر الشركات، وأنهيتُ سبعين مشروعًا بتقييم خمس نجوم. فتقولُ له: ولكنّك قبيحُ الوجه، يجبُ أن لا يقبلَ بكَ العميلُ بل بي!

والإحتكام إلى السلطة أيضًا لها ثغرات؛ فيمكنني مثلًا في موضوع جدلي، أن أقول إن النبي صلّ الله عليه وسلم، قال كذا أو كذا. وهنا فإن الإحتكام إلى قول النبي لكونه نبيًا، يعد احتكامًا للسلطة، وكذلك الإحتكام لكلام المولى عزّ وجل. إضافة إلى أن كثيرًا من المسائل هي نسبية بالأساس، وبدون الإحتكام للسلطة لا يمكن حسمها، مثلًا هل تعاطي المخدرات خطأ أم لا، قد يقول لك أحدهم أنه مستعد لتحمل أضرارها على مسؤوليته، مقابل أن يتعاطاها، حينها تكون ملزمًا على أن تقول له أن القانون يجرمها وكذا وكذا، لتبيّن له أنها خطأ.

المغالطةُ المنطقيّة يرتكِبُها من ليسَ لهُ دليل، فإن كانَ لهُ دليلٌ من الله أو رسولِه فهذا دليلٌ معتبرٌ دينيًّا فلا يدخلُ ضمن الاحتِكامِ أصلًا، أمّا تعاطي المُخدّرات، فهو ممنوع، وليس خاطئًا (هو خاطئٌ ولكنّ إثبات خطأِه معقّدٌ ويحتاجُ إلى شرحٍ مطوّل)، والممنوعُ لا يدخلُ في المنطق، أي يجوزُ أن أقولَ بأنّ هذا ممنوعٌ من السلطة، هذا ليس احتكامًا للسلطة، لكنّهُ كذلك إذا قلتَ لي بأنّك تعترضُ على قانونِ منعِ المُخدّرات فقلتُ لك: ولكنّ القانونَ وضعه! هل أنت أذكى من أهلِ القانون؟

أما سد الذرائع فهي ليست خطأ من الأساس، بل قد تقتضي الضرورة أن تمنع شيئًا هو من الأساس ليس سببًا مباشرًا لمشكلة ما، ولكنك تمنعه لسد الزرائع التي تؤدي إلى تلك المشكلة.

سدّ الذرائع هي ترجمةٌ لمغالطةٍ اسمُها الحرفيّ هو "المُنحدرُ الزلِق" إن صحّ التعبير، فهي ليست متعلّقةً بالدين، سدُّ الذرائعِ في الدين مختلفٌ عن سدِّها في المنطِق، سدُّ الذرائعِ المقصودُ هنا هو كأن أقولَ لك: إن فتحنا ملاعِبَ كرةِ القدم فقد يحصلُ شغبٌ جماهيريّ، ونحنُ لا نحبُّ الشغبَ الجماهيريّ، إذًا نغلقُ الملاعب ونُلغي كرةَ القدم (هذِه تدخلُ في مغالطةٍ أُخرى أيضًا)، فمنطقيًّا، سدُّ الذرائِع مغالطةٌ عندما لا تكونُ النتيجة سببًا مباشرًا أو ضروريّ الحدوث أو تحدثُ غالبًا بعد السبب، فسدُّ الذرائِع في الدين هو كأن لا تنظُرَ إلى حرامٍ كثيرًا كيلا ترتكِبه (مثالٌ لا حُكم)، أمّا في المنطِق، سدُّ الذرائِع الصحيح هو أن نُغلِقَ خزنةَ المالِ كيلا تُسرَق.

لم أفهم ما ذكرتَهُ بعدها عن مثالِ الخميسِ هذا.

أمّا المحاجرُ الصحيّة، فهنا سدُّ الذرائِع صحيحٌ منطقيًّا، لأنّ الأمراضَ المعديةَ لدرجة وضعِها في محجرٍ صحّي هي خطيرةٌ بما يحتاجُ إلى سدِّ ذرائِعها، طبّيًّا سدُّ الذرائعِ الخاطئ هو: لا تأكل التفّاح! فقد تأكلُ دودةً داخلهُ ذات يومٍ بالخطأ. في حين أنّ أكلَ الدودة ليس النتيجة الغالبة على أكلِ التُفّاح.

http://raseef22.com/politic...