قبل أيام أقيم مهرجان السنوي لمحبي الأنيمي في الجزائر و أثار جدل واسع بين الجزائريين، الذين اعتبروه -في غالبيتيهم- ظاهرة دخيلة على المجتمع الجزائري تمسّ منظومة القيم والهوية الثقافية، وبينما

في تتبعي لمواقف الكثير من المثقفين الذين تحدثوا عن الأمر، وجدت أن كلهم يشتركون في رأي واحد، وهو أننا في زمن يُعاد فيه تشكيل الذات عبر قناعٍ زائف، هذه المهرجانات يُستبدل العمق بالسطح، والهوية بالاستعراض، وأن التنكّر لم يعد لعباً فنياً بريئاً، بل عملية نسيان منظَّمة للجذور التي تمنح الإنسان معناه، أبطال اليوم هم مجرد أبطال من كرتون، لا ينقذون ولا يغيرون ولا يلهمون، إنهم أدوات في يد ثقافة الاستهلاك، تُدرَّب أجسادهم على الانفصال العاطفي والتخلي عن روح العطاء الإنساني، كما وصف الفيلسوف الكوري بيونغ-تشول هان في تحليله لمجتمع التسطيح La société nivelée.

لكن في رأي الشخصي مختلف قليلا عن هذا، أعتقد أن هذه المهرجانات لا تعكس قلقاً في الهوية بقدر ما تعكس شوقاً دفيناً إلى الماضي، لأنه عندما نعود إلى التاريخ السحيق للبشرية، نجد أنها كائنات ثقافية تعشق التنكر، دائما ما كان القناع جزء أساسي من الحياة الروحية والثقافية للشعوب، مع دخولنا للحضارة، أضطررنا إلى التخلي عن طقس القناع التقليدي، واستبدلناه بأقنعة من نوع آخر: المجاملات، البدلات الياقات الجميلة، وغيرها.

باختصار اعتقد أن الاحتفال بالأقنعة وحب تقليد الأنمي يعكس مدى عمق هويتنا ككائنات تحب فكرة البطولة وفكرة  تلك الرغبة القديمة في تجاوز حدود الواقع اليومي نحو عالم أكثر حرية وخيالاً، فحتى وإن بدت هذه المهرجانات سطحية أو تجارية، إلا أنها تكشف عن حاجة إنسانية دفينة للانتماء إلى سردية أكبر من الذات، إن ارتداء القناع ليس دائماً فعلاً للهروب أو كسر للهوية وثورة عليها، بل أحياناً هو محاولة للعثور على وجهٍ آخر أو تاريخ آخر للذات يشبهنا، لذلك أرى أن الحل ليس في محاربة الظاهرة أو السخرية منها، بل في فهمها وتأطيرها ثقافياً، كي نحولها من تقليدٍ استهلاكي إلى تعبير فني عن الهوية الجزائرية الجديدة، هوية تعرف كيف تلعب وتفكر في آنٍ واحد.

ما رأيك في هذه الظاهرة ، هل فعلا تهدد الهوية ؟